حماس وحزب الله وانعتاق الشعوب

حماس وحزب الله وانعتاق الشعوب

16 يوليو 2014
+ الخط -

منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وما رافقه من رد قوي من كتائب القسام، وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، أخذت الجماهير العربية تقارن بين الحرب الدائرة حالياً، والحروب السابقة، خصوصاً الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والتي واجه فيها حزب الله بشكل جديد، بالنسبة إلى الشارع العربي، الذي عانى هزائم متتالية أمام الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1948، إلا أن الحروب الأخيرة أثبتت أن في وسع العرب ومقاوماتهم إحداث توازن رعب مع الاحتلال، بل وخرق دفاعاته الاستراتيجية، والأهم فرض شروط التهدئة عليه. لكن المقارنة، خصوصاً في ظل التطورات، التي تعم المنطقة العربية، لا تتوقف عند كيفية إدارة حماس وحزب الله المعركة، بل تعدتها إلى المقارنة بين تعاطيهما مع الملفات الخارجية، أو ملفات الأشقاء، وتأثير ذلك على تعاطي كل منهما مع القضية الفلسطينية.

ما يميز حركة حماس عن حزب الله أنها حافظت على وجهة سلاحها ضد العدو الصهيوني، حصراً، ولم تستخدمه للدفاع عن حلفائها في المنطقة، فهي لم تستجب لطلبات بشار الأسد بالوقوف وراءه، حتى من باب الإعلام وبيع المواقف، بل فضّلت خروج قيادتها وكوادرها من سورية، وخسارة أحد أهم داعميها، الأمر الذي أثر، بالضرورة، على علاقة حماس بإيران، التي أصبح دعمها الأسد بوابة للعبور إلى حيز التحالف معها في أي شأن. لكن حماس أعلنتها صراحة آنذاك، وشكرت من دعمها وساعدها، ولم تبع مبادئها وتغطّي على من يقتل أبناء أمتها، وشددت على تأييدها مطالب الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة. لا شكّ في أن خيار الخروج من سورية، بالنسبة إلى حماس، كان صعباً، حتى أن الصحف، آنذاك، صارت تخمّن الأماكن التي يمكن أن يتوجه إليها قادة حركة حماس، وقد وردت، وقتئذ، أسماء عواصم، مثل بيروت والخرطوم، خيارات بارزة في ظل التضييق العلني من الدول العربية على حماس وقيادتها، إلى أن قررت قطر استقبال عدد من القيادات، فيما توزع آخرون على الأردن ومصر، ومنهم من قرّر الذهاب إلى غزة.

حماس كانت، وما زالت، تنظر بأمل كثير إلى الثورات العربية، لأنها تؤمن بالشعوب أكثر من إيمانها بالأنظمة، على عكس حزب الله الذي وصل به الأمر إلى اعتبار الثورة في سورية خطراً وجودياً عليه، وبالتالي، نظر إلى المعركة هناك على أنها معركة حياة أو موت، فقرر الانتحار هناك، هادماً كل ما بناه في السنوات السابقة من رصيد شعبي، تنامى في العالمين العربي والإسلامي، بسبب تبنيه خيار المقاومة ضد العدو الإسرائيلي.

قد يقول بعضهم إن ظروف حماس تختلف عن ظروف حزب الله في سورية، وإن الحزب كان مجبراً على التدخل، بسبب خوفه مما هو قادم على المنطقة، مفترضاً، بشكل مبكر، أن أي حكم سيخلف الأسد، سيقوم بالتضييق عليه، بل وسيحرمه من المعبر الاستراتيجي الذي كان يعتمد عليه الحزب، في بناء ترسانته العسكرية، وحتى حضوره السياسي في المنطقة. لكن حماس، أيضاً، مرّت بظروف مشابهة في مصر بعد الانقلاب العسكري على الرئيس، محمد مرسي، لكنها لم تأخذ قراراً بالتدخل العسكري لصالح جماعة الإخوان المسلمين، علماً بأن حماس انبثقت، أصلاً، من رحم جماعة الإخوان، وما يربطها بالجماعة عقائدياً وفكرياً أكبر بكثير مما يربط حزب الله بالأسد، والكل يعلم أن الانقلاب، ومنذ أول ساعاته، بدأ التضييق على حركة حماس، بإغلاق معبر رفح وتدمير الأنفاق التي تعتبر حبل السرة بالنسبة إلى حماس وأهل غزة، معيشياً واقتصادياً وعسكرياً، كما أخذ بشيطنة الحركة إعلامياً، وأصدر بحقها أحكاماً قضائية، وحظر نشاطاتها، وأعلنها حركة إرهابية، كما فرض الإقامة الجبرية على بعض قادتها، بل وصل الحد بالحكم الجديد في مصر إلى إرجاع سبب انقلابه على مرسي بسبب "تخابر" الأخير مع حركة حماس، وعلى الرغم من ذلك كله، لم يصدر عن حماس أي تعليق سلبي تجاه الحدث المصري، بل جددت تأكيدها على تمسكها بحرية الشعوب، ورفضها التدخل بالشؤون الداخلية لأية دولة.

على الرغم مما سبق، لم تتورط حماس في مصر، وهذا مرده الاستفادة من دروس بقية الحركات الفلسطينية، التي تورطت في حروب داخليةٍ، في عدد من الدول العربية، ما زالت آثارها السلبية تنعكس على القضية الفلسطينية، ولعل أبرز الأسباب، أيضاً، في عدم تدخل حماس، هو وجود قيادة حكيمة لدى جماعة الاخوان المسلمين في مصر، والتي رفضت أية عسكرة للثورة.
خلاصة القول إن حركات المقاومة، أو المقاومات، لا تستمد شرعيتها وقوتها من الأنظمة الحاكمة، بل تستمد شرعيتها من إيمان شعبها بها، وإخلاصها لمبادئها وأهدافها، وخدمتها قضية التحرر وقيمة الإنسان.

avata
avata
يحيى خيرالدين (فلسطين)
يحيى خيرالدين (فلسطين)