03 أكتوبر 2024
حكومة ما بعد عباس
وضع رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، استقالتها بتصرف الرئيس محمود عباس، بعد أن أوصت اللجنة المركزية لحركة فتح بالعمل على تأليف حكومة جديدة، أطلقت عليها تارة اسم حكومة فصائلية (تضم الفصائل)، وتارة أخرى حكومة منظمة التحرير الفلسطينية، وسط تجاذب بين أعضاء اللجنة المركزية حول من يترأس هذه الحكومة من بينهم، بحيث شملت قائمة المرشحين عددا وفيرًا منهم، مع أن الأخبار المتداولة تميل إلى تكليف محمد اشتيه، أو حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، وهي الوزارة التي تُعنى بتنسيق أمور السلطة اليومية مع سلطات الاحتلال.
في العرف المتبع لدى تأليف الحكومات، أن يكلف الرئيس شخصًا بعينه يجري مشاورات مع الطيف السياسي خلال فترة أسبوعين قابلة للتمديد فترة مماثلة، وبعدها يعرض قائمته على الرئيس للموافقة عليها. في هذه المرة، لم تسِر الأمور على هذا النحو، فالرئيس لم يكلف أحدًا، بينما بادرت اللجنة المركزية لحركة فتح إلى تكليف اثنين من أعضائها من خارج الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة، هما روحي فتوح وتوفيق الطيراوي، للاتصال بالفصائل، ما يوحي بأن الرئيس محمود عباس لم يحسم أمره بعد بشأن الاسم الذي اختاره لتأليف الحكومة الجديدة، كما يمنحه ذلك فرصةً للعدول عن الفكرة كلها، أو إجراء تعديلٍ عليها، كأن يترأسها شخص آخر من خارج "فتح" أو لجنتها المركزية.
يثبت الرئيس عباس أنه ما زال ممسكًا بمقاليد الأمور، وما وصلت إليه اللجنة المركزية من مقرّرات أطلقت عليه اسم توصياتٍ رُفعت إلى الرئيس في الاجتماع الذي لم يحضره، على
الرغم من وجوده في رام الله، وهو ما يخالف تقاليد راسخة في "فتح" حول اجتماعات اللجنة المركزية في عهد ياسر عرفات التي كان عضوًا فيها، بل إن منصب رئيس حركة فتح مستحدث في هذه الحركة التي لم تعرف رئيسًا في تاريخها؛ فقد كان فاروق القدومي أمين السر للجنة المركزية، وكان عرفات فكان عضوًا في هذه اللجنة، وللقب القائد العام علاقة بمهماته العسكرية، وليس الحركية، أما رئاسته فهي للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
ما زالت الملفات الرئيسة كلها بيد عباس. لم تتمكّن قرارات اللجنة المركزية ولا المجلس الوطني ولا المجلس المركزي أن تفتح صفحة واحدة من ملف العقوبات التي كان قد فرضها على قطاع غزة. وعندما اجتمع وفد اللجنة المركزية مع وزير المالية لمطالبته بصرف الرواتب، بعد أن صرحت حكومة الحمد الله مرارًا بأن خطأ فنيًا هو الذي أوقفها، قال لهم أريد ورقةً ممهورة بتوقيع الرئيس محمود عباس فيها ثلاث كلمات "تُصرف رواتب غزة"، ولم تصل تلك الورقة. كما وضع في الأدراج جميع الأوراق التي تعلقت بقرارات المجالس، الوطني والمركزي والثوري، والمؤسسات الفلسطينية كلها التي طالبت بإعادة النظر في العلاقة مع العدو الصهيوني، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، فضلًا عن شروطه تجاه عملية المصالحة الفلسطينية، والتي تتسق مع المنهج الذي اختاره لنفسه وللسلطة الوطنية بخصوص السلاح والمقاومة.
وقد أراد الرئيس عباس تسهيل مهمات الحكومة الجديدة، بسحبه قانون الضمان الاجتماعي الذي أطلق حركات احتجاج واسعة في أرجاء الضفة الغربية طوال أسابيع، ما يوحي بأن سحب هذا القانون إنجاز لحركة فتح وحكومتها المنوي تأليفها. ولكن ثمّة إشكالات تثير القلق، وتضع علامات استفهام كبرى بشأن دور الحكومة وملامح المرحلة المقبلة.
وتدور تصريحات أعضاء اللجنة المركزية حول نيتهم تأليف حكومة فصائلية، أي تمثل مجموع الفصائل الفلسطينية، وهو مفهومٌ ملتبس تمامًا، فعن أي فصائل نتحدث؟ ففي ظل ظروف الانقسام الفلسطيني، انقسمت الفصائل ذاتها، وخصوصًا الصغرى منها. أصبح للاسم الواحد من يدّعون تمثيله في رام الله ودمشق وغزة، من الفصائل المتناثرة هنا وهناك. فكم من جبهة
تحرير فلسطينية لدينا، أو جبهة نضال شعبي! وكم من فصيل قديم أو مستجد لا يستطيع أمينه العام أن يحصل على تأييد بضع عشرات من الأنصار، لكنه حظي برعاية السلطة القائمة في منطقة وجوده، بل وأصبح بعضهم أعضاءً في هيئات قيادية، ومجالس وطنية ومركزية، ولجانٍ تنفيذية، من دون تمثيل حقيقي في الشارع الفلسطيني! أما الفصائل الرئيسة، مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية، فقد أعلنتا، منذ البداية، عزوفهما عن المشاركة في هذه الحكومة، ومن المتوقع أن تحذو حذوهما حركة فدا والمبادرة الوطنية، في حين تم استثناء حركتي حماس والجهاد الإسلامي، باعتبارهما خارج فصائل منظمة التحرير. حيث نهجت تصريحات المسؤولين الفلسطينيين إلى إعطاء هذه الحكومة صفة حكومة منظمة التحرير، وهو ما يقتضي الحذر والانتباه، ويضفي ظلالًا من الشك بشأن سمات المرحلة المقبلة.
الأصل المعمول به أن منظمة التحرير هي الإطار المرجعي للسلطة الوطنية، وثمّة مسافة ما بين الاثنتين من حيث المهمات والتمثيل، فالحكومة هي حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967، أما المنظمة فهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مكان، ومن الطبيعي أن تختلف البرامج والمرجعيات. ومع أن منظمة التحرير قد وُضعت في ثلاجة منذ اتفاق أوسلو، ويجري استحضارها ساعات كلما أريد تجديد شرعية ما، أو تبرير تنازل جديد، كما حال المجلس الوطني في اجتماعه في مايو/ أيار 2018، وقبل ذلك اجتماعه في غزة في إبريل/ نيسان 1996، وعُدّل فيه الميثاق الوطني، كما يتم الاحتفاظ بالمنظمة مجمّدة لاستخدام شعار الممثل الشرعي والوحيد فزّاعة تعيق أي جهد حقيقي لإعادة إحيائها، أو لمحاربة أي نشاطٍ يستهدف حشد طاقات الشعب الفلسطيني، بدعوى أنه يتناقض مع وحدانية التمثيل.
أن تصبح حكومة السلطة الوطنية حكومة منظمة التحرير يعني تقليص دور المنظمة، وحصرها في مهمات السلطة، ما قد يشكل تمهيدًا فعليًا لإنهاء دور المنظمة ووجودها. فيما الطريق نحو مشاركة فصائلية حقيقية واسعة واضح وجلي، يبدأ من إحياء الإطار القيادي الموحد الذي اتُفق عليه، وإجراء حوار جدي بشأن البرنامج الوطني الفلسطيني، وأي طريق غير ذلك لا يعني سوى مزيد من الانقسام والتشرذم.
وأخيرًا يبقى السؤال مطروحًا ما إذا كانت الحكومة المرتقبة هي حكومة ما بعد محمود عباس، وبداية الطريق لترتيبات عهد جديد. ولعل في طريقة تأليفها، وفي التصريحات القيادية التي رافقتها، ما يوحي بطبيعتها.
يثبت الرئيس عباس أنه ما زال ممسكًا بمقاليد الأمور، وما وصلت إليه اللجنة المركزية من مقرّرات أطلقت عليه اسم توصياتٍ رُفعت إلى الرئيس في الاجتماع الذي لم يحضره، على
ما زالت الملفات الرئيسة كلها بيد عباس. لم تتمكّن قرارات اللجنة المركزية ولا المجلس الوطني ولا المجلس المركزي أن تفتح صفحة واحدة من ملف العقوبات التي كان قد فرضها على قطاع غزة. وعندما اجتمع وفد اللجنة المركزية مع وزير المالية لمطالبته بصرف الرواتب، بعد أن صرحت حكومة الحمد الله مرارًا بأن خطأ فنيًا هو الذي أوقفها، قال لهم أريد ورقةً ممهورة بتوقيع الرئيس محمود عباس فيها ثلاث كلمات "تُصرف رواتب غزة"، ولم تصل تلك الورقة. كما وضع في الأدراج جميع الأوراق التي تعلقت بقرارات المجالس، الوطني والمركزي والثوري، والمؤسسات الفلسطينية كلها التي طالبت بإعادة النظر في العلاقة مع العدو الصهيوني، وسحب الاعتراف بدولة إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، فضلًا عن شروطه تجاه عملية المصالحة الفلسطينية، والتي تتسق مع المنهج الذي اختاره لنفسه وللسلطة الوطنية بخصوص السلاح والمقاومة.
وقد أراد الرئيس عباس تسهيل مهمات الحكومة الجديدة، بسحبه قانون الضمان الاجتماعي الذي أطلق حركات احتجاج واسعة في أرجاء الضفة الغربية طوال أسابيع، ما يوحي بأن سحب هذا القانون إنجاز لحركة فتح وحكومتها المنوي تأليفها. ولكن ثمّة إشكالات تثير القلق، وتضع علامات استفهام كبرى بشأن دور الحكومة وملامح المرحلة المقبلة.
وتدور تصريحات أعضاء اللجنة المركزية حول نيتهم تأليف حكومة فصائلية، أي تمثل مجموع الفصائل الفلسطينية، وهو مفهومٌ ملتبس تمامًا، فعن أي فصائل نتحدث؟ ففي ظل ظروف الانقسام الفلسطيني، انقسمت الفصائل ذاتها، وخصوصًا الصغرى منها. أصبح للاسم الواحد من يدّعون تمثيله في رام الله ودمشق وغزة، من الفصائل المتناثرة هنا وهناك. فكم من جبهة
الأصل المعمول به أن منظمة التحرير هي الإطار المرجعي للسلطة الوطنية، وثمّة مسافة ما بين الاثنتين من حيث المهمات والتمثيل، فالحكومة هي حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967، أما المنظمة فهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مكان، ومن الطبيعي أن تختلف البرامج والمرجعيات. ومع أن منظمة التحرير قد وُضعت في ثلاجة منذ اتفاق أوسلو، ويجري استحضارها ساعات كلما أريد تجديد شرعية ما، أو تبرير تنازل جديد، كما حال المجلس الوطني في اجتماعه في مايو/ أيار 2018، وقبل ذلك اجتماعه في غزة في إبريل/ نيسان 1996، وعُدّل فيه الميثاق الوطني، كما يتم الاحتفاظ بالمنظمة مجمّدة لاستخدام شعار الممثل الشرعي والوحيد فزّاعة تعيق أي جهد حقيقي لإعادة إحيائها، أو لمحاربة أي نشاطٍ يستهدف حشد طاقات الشعب الفلسطيني، بدعوى أنه يتناقض مع وحدانية التمثيل.
أن تصبح حكومة السلطة الوطنية حكومة منظمة التحرير يعني تقليص دور المنظمة، وحصرها في مهمات السلطة، ما قد يشكل تمهيدًا فعليًا لإنهاء دور المنظمة ووجودها. فيما الطريق نحو مشاركة فصائلية حقيقية واسعة واضح وجلي، يبدأ من إحياء الإطار القيادي الموحد الذي اتُفق عليه، وإجراء حوار جدي بشأن البرنامج الوطني الفلسطيني، وأي طريق غير ذلك لا يعني سوى مزيد من الانقسام والتشرذم.
وأخيرًا يبقى السؤال مطروحًا ما إذا كانت الحكومة المرتقبة هي حكومة ما بعد محمود عباس، وبداية الطريق لترتيبات عهد جديد. ولعل في طريقة تأليفها، وفي التصريحات القيادية التي رافقتها، ما يوحي بطبيعتها.