حفر على الناشف

حفر على الناشف

16 سبتمبر 2014
+ الخط -

يوم الثلاثاء 19 أغسطس/آب الماضي، نشرت الصحف المصرية أن الحفر القائم في التفريعة الجديدة لقناة السويس، المسماة قناة السويس الجديدة، وصل إلى منسوب المياه المطلوب في عدة مواضع، بعد أيام قليلة من بدء الحفر. وفي 29 أغسطس/آب، زفت هيئة قناة السويس بشرى عظيمة إلى الشعب المصري أن كراكات هيئة قناة السويس ستدخل إلى القناة الجديدة، قبل موعدها بثلاثة أشهر. وفي يوم 3 سبتمبر/أيلول، أعلنت القناة أن الكراكات دخلت بالفعل، وسياق الخبر يوحي للقارئ العادي غير المتخصص أن دخول الكراكات، قبل موعدها، هو فتح مبين وإنجاز عملاق، وليس لعلاج مشكلة والتعامل مع حالة ظهرت قبل الموعد الذي توقعوه لها، وذلك، ببساطة، لنقص في الدراسات وعدم إتمام جسات للتربة على طول المسار على نحو علمي دقيق سليم، لأن الحاكم غير المتخصص في الهندسة أمر أن يتم الإسراع في العمل، وبدلًا من أن يراجعه المتخصصون، ويصححون له، ويقفون في وجه أهوائه، إذا بهم يبتلعون ألسنتهم، ويهزون رؤوسهم في تسليم.

وبدلًا من أن تعلن الهيئة أن دخول الكراكات كان للتعامل مع الوضع الطارئ الجديد، وتعلن للناس ذلك بشفافية، فإذا بها تعلنه وكأنه إنجاز وفتح، وهكذا تتحول الأخطاء إلى إنجازات، وتتحول الأمور التي تستوجب المحاسبة والتنبيه إلى إنجازاتٍ، تستلزم الهتاف والتصفيق.

وهكذا، نتأكد، مرة بعد مرة، أن منهج استحمار الشعب واستخفافه، والاستخفاف به، ما زال مستمراً بوتيرة متصاعدة، كما كنا قبل ثورة يناير، بل وأشد بكثير، عدنا كما كنا في عهود الفراعنة الأقدمين، كلمة الحاكم لا ترد، ولو كانت من أبطل الباطل، ولو كانت صادرة من غير المتخصص لتصادم ما يعلمه المتخصصون، وتفسد عليهم كل ما تعلموه في جامعاتهم وخبراتهم العملية، وبدلًا من أن يصححوا له، فإنه يصحح لهم، وبدلًا من أن يرشدوه فيما بعد عن تخصصه، فإنه يرشدهم في تخصصاتهم، وكانت النتيجة أنه بدلا من أن يصبح المرشد من الضلال، أصبح المرشد إلى الضلال!

إنه المنهج نفسه مستمر، من جهاز علاج فيروس الإيدز جهاز الكفتة، ورأينا مصيره، ثم علاج الكهرباء باللمبات الموفرة التي ستوفر وتغطي وتزيد، وقد رأينا جميعاً المصير هذا الصيف، ثم المقولة الشهيرة لماذا يستغرق الحفر ثلاث سنوات، هو عام، إنه حفر على الناشف، يقولها الحاكم، ويهز المتخصص رأسه ويوافق.. والنتيجة؟

avata
avata
يحيى حسن عمر (مصر)
يحيى حسن عمر (مصر)