حسابات إيرانية تبدّل الموقف الشيعي من التدخل الغربي بالعراق

حسابات إيرانية تبدّل الموقف الشيعي من التدخل الغربي بالعراق

21 سبتمبر 2014
الضربات ضد "داعش" تترافق مع تفجيرات انتحارية(مروان إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت غرف القرار الشيعية في العراق انقلاباً مفاجئاً في موقفها إزاء التدخل الغربي في العراق بدءاً من المراجع الدينية وانتهاء بالسياسيين وأعضاء المليشيات التي ظلّت إلى وقت قريب تؤكد على نظرية العدو المشترك بينها وبين الغرب والمتمثل في تنظيم "داعش"، تزامناً مع التصريحات الإيرانية الرافضة للتحالف الغربي ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والتفويض بالعمليات العسكرية في العراق

وفجّرت تصريحات المرجع الديني، علي السيستاني، مفاجأة من العيار الثقيل بإعلانه رفض استغلال تنظيم "داعش" ذريعة للمساس بما وصفه بسيادة العراق، مؤكداً أن العراقيين لهم القدرة على دحر التنظيم ويجب على القادة السياسيين عدم جعل المساعدات العسكرية باباً للمساس باستقلالية القرارات الداخلية العراقية.

من جهته، أعلن الرجل الثاني في التحالف الوطني، همام حمودي، عن اجتماع قريب للرئاسات الثلاث: الجمهورية والوزراء والبرلمان، لمناقشة صيغة قرار ينظّم التدخل الغربي العسكري في العراق، مضيفاً في بيان له أنه "يجب أن يكون للحكومة الاتحادية كلمة عليا في القرار وألّا يؤثر هذا التدخل في سيادة العراق".

الموقف الشيعي الجديد، الذي بدا أخيراً أكثر رفضاً وتحفظاً لهذا التدخل والمطالب بتقنينه، كان أشدّ من المكون السني، ويأتي خلافاً لمجريات خطيرة تحدث على أرض الرافدين، فتنظيم "الدولة الإسلامية" يزحف كبقعة زيت تتمدد نحو بغداد ومدن الجنوب حاصداً أرواح المئات أسبوعياً من عناصر المليشيات والجيش، وتلعب الغارات الأميركية دوراً في الحد من توسعه وبسط نفوذه وإشغاله إلى حد كبير.

لكن الولايات المتحدة لم تتلق أي عبارت شكر أو ثناء من رجال الدين الشيعة أو السياسيين الذين دأبوا على وصفهم بالمحررين منذ العام 2003 والأصدقاء بعد الانسحاب من البلاد في العام 2010، على الرغم من أنه لولا التدخل الجوي في الوقت الضائع لكانت أعلام تنظيم "داعش" بسوادها القاتم في بغداد ترتفع.

وبدلاً من ذلك أطلقت مليشيا المهدي، التي يتزعمها مقتدى الصدر، ومليشيا حزب الله بزعامة واثق البطاط، ومليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي، وميليشا بدر التي يقودها هادي العامري، تحذيرات من التدخل البري. وأمرت عناصرها باستهداف أي تواجد بري للقوات الأميركية والتعامل معه كاحتلال، على عكس القوات الإيرانية المتواجدة في البلاد والتابعة للحرس الثوري وفيلق القدس، والتي تعمل مع القوات العراقية والمليشيات على قدم وساق. ولعل تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لصحيفة "ناشيونال اينترست" الأميركية بقوله إنه "لولا إيران لاحتلت داعش بغداد وكردستان"، يشكل تأكيداً لتدخلها العسكري في العراق على نحو واسع.

الغرابة من هذه المواقف قد تتبدد بمعرفة أجواء اجتماعات جدة وباريس واستبعاد طهران عنها، وتوقف خطوط إمدادات إيران عن دمشق عبر العراق بسبب الهيمنة الأميركية على الأجواء العراقية والمكاسب والوعود التي قطعتها حكومة حيدر العبادي للسنّة والأكراد بضغوط أميركية، فضلاً عن تهميش إيران سياسياً في العراق مقابل ارتفاع النجم الأميركي أخيراً.

استبعاد الولايات المتحدة وفرنسا لإيران من مؤتمري جدة وباريس كان له أثر كبير على إيران بوصفها اللاعب الأبرز في الساحة العراقية السياسية والأمنية. ووجدت إيران في هذا الإقصاء تهديداً كبيراً لمصالحها في العراق بشكل دفعها إلى الإيعاز للمرجعيات الدينية والقيادات السياسية الشيعية التي تتولى دعمها، بالتحفظ عل التدخل الغربي من السياسيين والرفض لهذا التدخل من المرجعيات الدينية التي طالبت اليوم بأن يكون تحت قبة السيادة العراقية واشترطت أن يكون محدوداً.

باتت المصالح الإيرانية في العراق أوراقاً مبعثرة، فعمليات النقل الجوي بين دمشق وطهران توقفت إلى حد كبير بسبب هيمنة سلاح الجو الأميركي على الأجواء العراقية واستبعاد قوات الحرس الثوري من قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين لصالح فريق المستشارين الأميركيين الذين اتخذوها مقراً لهم. كما تم تفويض القوات الأميركية بقصف عمليات التسلل والتهريب من وإلى العراق عبر دول الجوار الست بعدما كانت إيران تعتمد عليها بشكل كبير في الإفلات من العقوبات الاقتصادية، فضلاً عن المكاسب السياسية للعرب السنة والأكراد التي قدمها العبادي لهم بضغط أميركي. ووجدت إيران في هذا كله أن "داعش" قدّم خدمات كبيرة للغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص في العراق، وأعاد الملف السوري إلى طاولة التدخل العسكري للدول الكبرى، ما دفعها إلى اتخاذ جانب مغاير للتحالف الدولي بين رافض تارة ومتحفظ تارة أخرى.

ويقول النائب السابق في البرلمان العراقي طه اللهيبي، إن إيران "جنّ جنونها بسبب الحركات الأخيرة من الدول الغربية والعربية ولا سيما السعودية، وشعرت أن العراق سيضيع منها وبعده سورية، لذا أمرت بتحريك الجهات والأحزاب الشيعية العراقية التي تمتلك سلطة عليها بتبني الموقف الجديد المفاجئ للغرب الذي كان ينتظر منهم الشكر بدلاً من عبارات التهديد المليشياوية والتحذير السياسية".

ولم يستبعد اللهيبي وجود علاقة بين ما يجري في اليمن من تحرك للحوثيين وما يجري في العراق، مبيناً أن تأييد الولايات المتحدة لمطالب السنة بفدرلة العراق وتحويله الى إقليم يعتبر التهديد الأبرز لإيران، إذ إن ذلك سيكون تهديداً على عمقها في المنطقة العربية عموماً والسوري خصوصاً، إذ سيؤدي ذلك الى وجود منطقة فاصلة مع سورية ذات قالب سني معاد لها.

من هذا كله يتبين أن المعادلة الجديدة بالعراق لا تخدم المصالح الإيرانية في بغداد، إذ بدت إيران معزولة من جهود مكافحة المسلحين وبات تدخلها والجهود والخسائر التي تقدمها في العراق في المجال العسكري أشبه ما يكون بعمل مليشياوي غير معترف به دولياً، كما أنها غير مشكورة عليه من القوى الكبرى.
ورغم وجود حلفاء استراتيجيين في دائرة صنع القرار المحلي في العراق، إلا أن ذلك لم يحجب حقيقة أن إيران أقصيت من اللعبة العراقية أو تضاءل حجمها على الأقل في الصورة.
فالغرب لا يشعر براحة أو تقبل للمشاركة الإيرانية في التحالف الدولي ضد "داعش" خوفاً من أن يؤدي إلى احتقان طائفي سني شيعي وينتهي بحرب أهلية وشيكة لا تخدم سوى تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يبدو أقوى من خصومه الشيعة على الأرض حتى الآن. كما أن أطماع طهران في إيجاد نافذة لحلحلة ملفها النووي والعقوبات مع القوى الكبرى من خلال العراق يجعل الجميع في موقف المتحفظ عن هذا التدخل. وهذا ما يفسر ويترجم المواقف الشيعية الأخيرة من التحالف الدولي الغربي العربي ضد تنظيم "داعش".

لكن في حال بلورة تحالف عالمي يشمل العراق وسورية وربماً دولاً أخرى كلبنان، لا يمكن توقع نوعية المفاجآت أو الصفقات المقبلة التي قد تغير الموقف الشيعي في العراق مرة أخرى إلى الترحيب بالتدخل الخارجي في حال تم إشراك إيران في جزء من خطة هذا التحالف الذي لا يبدو أنه مستعجل في تنفيذها حتى الآن.

المساهمون