حزب الله والراعي

حزب الله والراعي

06 مايو 2014

بشارة الراعي في تشييع وديع الصافي أكتوبر 2013 (أ.ف.ب)

+ الخط -
تتقاطع الكنيسة المارونية في لبنان وحزب الله في مواقف عديدة. قد يكون الموقف من الثورات العربيّة، والثورة السوريّة تحديداً، من أبرز التقاطعات، وينطبق الأمر عينه بالنسبة للسياسة الداخلية اللبنانيّة.
قبل أيّام، أعلن البطريرك بشارة الراعي نيته زيارة "الأراضي المقدسة"، برفقة البابا فرنسيس. للوهلة الأولى، يبدو أن هناك تناقضاً في الموقف من هذه الزيارة بين حزب الله والكنيسة. تماماً، كما يظهر التناقض شكلياً في مواقف عديدة، لكن الطرفين متوافقان على المستوى الاستراتيجي. تتكرر عبارة "الأراضي المقدسة" في حديث المدافعين عن الراعي، يُراد لها أن تستبدل العبارة الأصليّة، وهي "الأراضي الفلسطينيّة المحتلة". نجد أن أكثر من يُدافع عن زيارة الراعي الأراضي المحتلة هو النائب البطريركي العام، بولس صيّاح، الذي أمضى 16 عاماً في الأراضي المحتلة، بين عامي 1996 و2012 رئيساً لأساقفة حيفا والأراضي المقدسة، ثم نائباً بطريركياً في القدس وفلسطين والأردن.
منذ انتخابه بطريركاً، يسعى الراعي إلى إعادة صياغة خطاب الكنيسة المارونيّة، والتي شكّلت رأس حربة في مواجهة الاحتلال السوري للبنان. فهو كان أول بطريرك ماروني، يزور دمشق منذ استقلال لبنان عام 1943. وقد زارها في ذروة الثورة السورية وقمع النظام لهذه الثورة، في فبراير/شباط 2013، في خطوة اعتبرت حينها تأييداً للنظام السوري. في ذلك الوقت أيضاً، أُعطيت الزيارة طابعاً دينياً، وتم تبريرها بالمشاركة في "تنصيب بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي".
تحت الغطاء "الديني والرعوي"، زار الراعي دمشق، متجاوزاً ثورة شعبها، وينوي زيارة إسرائيل، متجاهلاً أنها دولة عدوة، والأسوأ أنها محتلة، طردت شعباً بأكمله من أرضه.
يتماهى الراعي، في هذين الموقفين، مع خطاب حزب الله. ففي جوهر الخطاب الرسمي للأخير، أصل إعلانه قتال إسرائيل ديني، وليس من منطلق سياسي وإنساني وقومي، على الرغم من أن هذا الخطاب برز أخيراً كأحد وسائل التعبئة الشعبية، لا أكثر. كما أن حزب الله، شارك في قتال الثورة السورية إلى جانب النظام، تحت عنوان ديني، أيضاً، وهو "حماية المقامات الدينيّة". واستخدم شعارات دينيّة بحتة، مثل "لن تسبى زينب مرتين"، في عمليّة تعبئة جمهوره والعسكر المشاركين في القتال. كما حرص حزب الله على إظهار نفسه مدافعاً عن حقوق المسيحيين في سورية. وفي هذا الأمر، كان الحزب أحد المساهمين في دفع الثورة الشعبية نحو الاقتتال المذهبي، والذي يُشكل خشبة الخلاص للنظام.
من القواسم المشتركة بين خطابي حزب الله والكنيسة المارونيّة ممثلةً بالراعي التشديد على ضرورة محاربة "الإرهابيين والتكفيريين". باتت فلسطين وقضيتها في المستوى الثاني، هذا في الخطاب الإعلامي. عملياً، تغيب هذه القضية تدريجياً عن حزب الله والكنيسة المارونيّة. اسألوا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عن ذلك.
في العمق، يتماهى الراعي تماماً مع حزب الله، بعكس البطريرك السابق نصر الله صفير. الأمر طبيعي. فالراعي أتى إلى رأس الكنيسة، ترجمة لعودة هذه الكنيسة إلى تحالف الأقليات في المشرق العربي. يعتبر هذا الحلف أنه في مواجهة مفتوحة مع العمق العربي لهذه الأقليات. يُريد أصحاب نظرية حلف الأقليات الجديدة إبراز التمايز الثقافي والفكري والاقتصادي مع هذا العمق العربي، للقول إن حلفهم يتجاوز العلاقة الطبيعيّة بين سكان هذه المنطقة.
يُذكّر تحالف الأقليات بتجربة اليمين اللبناني، في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته. حينها تولّى بشير الجميّل قيادة حلف أقليات لبنانياً. ومن أبرز نتائج تحالف الأقليات في تلك المرحلة، اجتياح بيروت عام 1982، والتي كشفت دراسة للجيش الإسرائيلي صدرت، أخيراً، أن احتلال بيروت لم يكن خطأً، بل كان قراراً. هل علينا أن ننتظر كثيراً، لنكتشف الأخطار الحقيقيّة لحلف الأقليات الجديد؟ وهل هناك من يرى أن هكذا حلف لن يكون بعيداً عن إسرائيل ومصلحتها؟

 

 

1F5DD520-0ECB-4F35-A8B8-E3CE26FBE27A
ثائر غندور

صحافي لبناني من أسرة "العربي الجديد"