حرب التاو وقدم الضفدع

حرب التاو وقدم الضفدع

01 نوفمبر 2015

أميركا تستقدم طائرات إيه 10لمواجهة طائرات سوخوي 25 الروسية(25آب/2015/Getty)

+ الخط -
على الرغم من أن الهدف المعلن للعملية العسكرية الروسية في سورية هو ضرب البنية التحتية لتنظيم الدولة الإسلامية، فإن الأداء على الأرض سرعان ما كشف الهدف الحقيقي للتدخل العسكري الروسي، وهو تثبيت نظام الأسد في مناطق سيطرته الحالية، وتوفير الإسناد الناري الجوي لقواته، للتوسع في النطاق الذي يشكل عمقاً استراتيجياً لتلك المناطق.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في سورية، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، استعرض الروس أحدث مقاتلاتهم الحربية، وخصوصاً طائرة السيادة الجوية المتعددة المهام سوخوي 30 أس أم، والقاذفة المتعددة المهام سوخوي 34 أس. والثانية فريدة من نوعها في العالم، حيث تقع في مرتبة بين القاذفات التكتيكية كالـ"إف 16" والـ"إف 15 إيغل" الأميركيتين، والقاذفات المتوسطة كالـ"توبوليف 22" الروسية. وبينما خطفت تلك الطائرتان أضواء الإعلام، كانت تقبع في ظلهما شقيقتهما الأقدم، المقاتلة من الحقبة السوفييتية سوخوي 25 التي يرمز لها حلف الناتو بـ""Frogfoot أو قدم الضفدع. وهي عملياً السلاح الرئيس في الحملة الروسية، وعلى عاتقها توفير الإسناد الجوي القريب لقوات النظام وحلفائها من الميليشيات المدعومة من إيران. وتعد الطائرة الأميركية "إيه 10" الملقبة بالخنزير "Warthog"، النظير الوحيد لهذه الطائرة في منظومة السلاح الغربية.
والسوخوي "سو" 25 طائرة قبيحة المظهر، على عكس صاحبتي التصميم البديع سو 30 وسو 34، المبنيتين على قاعدة الطائرة السوفييتية سو 27. وهي، كما أشير، مخصصة لتوفير الإسناد الجوي القريب للقوات البرية، وتعد طائرة بطيئة بالقياس إلى الطائرات الحربية الأخرى، إذ لا تتعدى سرعتها 950 كيلومتراً في الساعة، بينما تبلغ سرعة السو 30 ، مثلا، 2100 كيلومتر في الساعة. وتتخذ "قدم الضفدع" مسار تحليق منخفضاً، ما يجعلها عرضة لنيران المضادات الأرضية. لذا، تمت مضاعفة تدريعها، بحيث يستطيع بدنها الصمود إن تعرض لنيران المدفعية المضادة للطائرات، وتشاركها بهذه الخاصية المروحية الروسية مي 24، المشاركة في العمليات في سورية، والتي تلقب بالدبابة الطائرة لكثافة درعها، وتشكل مضادات الطيران التكتيكية الخفيفة المحمولة على الكتف (Shoulder-fired missile) تهديداً حقيقياً لكلا الطائرتين (سو 25 ومي 24)، ويمكن أن تخرجهما من المعركة إن استخدمت بكثافة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تبد معارضة قوية للتدخل الروسي، فإنها لن تترك المجال للروس لتنفيذ أهداف حملتهم بحُرية، وبالتالي تعظيم نصيبهم من كعكة سوريا بعد
الوصول إلى التسوية، الآتية آجلاً أم عاجلاً. لكنها، في الوقت نفسه، لا تستطيع، لا هي ولا حلفاؤها، القيام بعمل عدائي ضد روسيا، حتى وإن بشكل غير مباشر عبر إمداد فصائل المعارضة المسلحة بوسائل دفاع جوي فعالة، ما يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء في اللعبة الدولية الدائرة اليوم في سورية. فلا طبيعة الحرب في سورية، ولا ظروفها ولا حساباتها تشبه التي دارت رحاها قبل ثلاثة عقود في أفغانستان.
وعوضاً عن ذلك، أوعز الأميركان لحلفائهم في المنطقة بتسليم الجماعات المسلحة كميات كبيرة من منظومة الصورايخ الأميركية المضادة للدروع "تاو"، عامدين بذلك إلى عرقلة تقدم قوات النظام والمليشيات الحليفة له، لمنع (أو على الأقل إبطاء) تحقق أحد الأهداف الأساسية للعملية الروسية، المتمثل في إحكام سيطرة النظام على النطاق الجغرافي الحيوي الذي يشكل العمق الاستراتيجي لما بات يعرف بـ"سورية المفيدة".
وبذلك، السلاح الرئيسي الذي سيواجه "قدم الضفدع" ليس "ستنغر"، ولا أي منظومة دفاع جوي أخرى محمولة على الكتف، بل "التاو"، الذي من شأن استخدامه بكثافة أن يجعل تقدم قوات النظام بطيئاً ومؤلماً، وهو ما بدأت نتائجه تظهر بالفعل، وبشكل غير مسبوق، في أشرطة مصورة كثيرة، بثتها مواقع المعارضة السورية أخيراً، لاستهداف دبابات النظام ومدرعاته بصواريخ تاو التي تُظهِر المصير المأسوي لدبابات الحقبة السوفييتية، حين تتمكن القذائف المضادة للدروع من اختراق درعها.
وأخيراً، أعلنت الولايات المتحدة عن استقدام 12 طائرة من طراز "إيه 10" إلى مطار إنجرليك التركي، للمشاركة في عمليات التحالف الدولي الذي تقوده ضد تنظيم الدولة، وهو بالمناسبة العدد نفسه من طائرات سوخوي 25 التي جاء بها الروس إلى سورية، وهذا يعني أن الولايات المتحدة قررت النزول بثقلها في المعركة، وأن تقدم لفصائل مسلحة تصنفها بأنها "معتدلة"، الدعم الجوي المباشر والفعال نفسه الذي تقدمه روسيا لقوات النظام السوري وحلفائه.
ماذا يمكن أن نستنتج من ذلك كله؟
من الجنون توقع سيناريو تقصف فيه الطائرات الأميركية قوات النظام، بينما تقصف الطائرات الروسية فصائل المعارضة، هذا المشهد السوريالي بعيد تماماً عن التحقق. أحضر الأميركيون طائراتهم للإسناد القريب لدعم المعارضة المسلحة "المعتدلة" في مواجهة داعش، لا قوات النظام. وفي مرحلة لاحقة، ينوي الروس توفير الغطاء الجوي لقوات النظام وحلفائه، لبدء عملية مماثلة ضد داعش، ذلك حين ينتهوا من معركتهم مع فصائل المعارضة المسلحة، والتي من بين استهدافاتها توسيع حدود التماس التي تجمعهم بمناطق سيطرة تنظيم الدولة.
في الفصل المقبل من الحرب الأهلية في سورية، سنشهد سباقاً بين قوات النظام وحلفائه، مدعومين بغطاء جوي روسي من جهة، وفصائل المعارضة المسلحة مدعومة بغطاء جوي أميركي من جهة أخرى، لقضم أكبر رقعة ممكنة من الأرض التي تسيطر عليها داعش، أو ربما التي سُمِح لداعش بالسيطرة عليها. وستعمل الولايات المتحدة على بدء السباق مبكراً، مستغلة انشغال الروس بـ"حرب التاو وقدم الضفدع".
ما يحصل في سورية اليوم هو تقسيم للكعكة بين روسيا والغرب بقيادة أميركا، هو طبعة جديدة من سايكس-بيكو، ترسم حدوده قوات العملاء على الأرض، بدعم جوي من مشغليهم الكبار.