حراك الجزائر يقلق إسبانيا وفرنسا حول إمدادات الغاز

حراك الجزائر يقلق إسبانيا وفرنسا حول إمدادات الغاز

11 مارس 2019
الجزائر الممون الرئيسي لدول جنوب أوروبا بالغاز (Getty)
+ الخط -

بدأت الهزات الارتدادية، التي خلّفها حراك الشعب الجزائري، ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، تصل إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، حيث أبدت بعض عواصم الجنوب الأوروبي قلقها من تأثير الانسداد السياسي الذي تعيشه الجزائر، على إمدادات الطاقة، لكون الجزائر الممون الرئيسي للمنطقة بالغاز الطبيعي، فيما تسعى هذه الأخيرة لإرسال طمأنات لزبائنها.

أول المخاوف جاء من باريس، التي لا تزال تلتزم الصمت رسمياً حيال تطور الأوضاع في الجزائر، إذ كشفت مجلة "لو نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية في عددها الصادر في الثامن والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، على لسان مسؤول في قصر الإليزيه أن "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جدّ قلق مما تعيشه الجزائر، لعدة أسباب منها احتمال تضرر جنوب فرنسا خاصة، من اضطرابات في إمدادات الغاز، ولا سيما أن الجزائر تعدّ الممون الأول لفرنسا".

وتعدّ مدريد، ثانية عاصمة أوروبية تبدي مخاوفها من احتمال انفلات الأوضاع الأمنية في الجزائر، وتأثير ذلك على تدفق الغاز، إذ كشفت عدة صحف في مقدمتها "الباييس" في الثاني من مارس/ آذار الجاري، عن وجود مخاوف لدى السلطات الإسبانية من تضرر العلاقات التجارية والاقتصادية والطاقة بين البلدين في حال سقوط البلاد في مستنقع الفوضى، أو التغيير المفاجئ للنظام، فالجزائر تعدّ ثالث مستورد من إسبانيا وأول ممون للدولة الأوروبية بالغاز الطبيعي.

لكن صحيفة "الموندو" الإسبانية نقلت عن فرانسيسكو ريناس، رئيس الشركة الإسبانية لتوزيع الغاز "ناتوريجي"، قوله في الرابع من الشهر الجاري إنه "لا خطر على إمدادات الغاز القادمة من الجزائر إلى إسبانيا عبر الأنابيب".

وقال ريناس: "مهما سيحدث بشأن الرئاسيات في الجزائر، فإن عقد توريد الغاز من طرف المجمع الوطني للبترول والغاز (سوناطراك) سيستمر الالتزام ببنوده".

وأشار إلى أن إمدادات الغاز الجزائري غطت نحو 51.3% من الحاجات الإسبانية خلال العام الماضي 2018، منها 47% عبر خط أنابيب الغاز "ميدغاز" المغاربي الذي يمر عبر المغرب وصولاً إلى إسبانيا، والبقية عبارة عن كميات من الغاز الطبيعي المسال، علماً أن سوناطراك تحوز 4% من أسهم شركة "ناتوريجي" الإسبانية ولها عائدات من تسويق الغاز في الشبكة الداخلية الإسبانية.

كما كتب الأمين العام الأسبق للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، مقالاً طويلاً نشر في المواقع الغربية في الرابع من مارس/ آذار الجاري، حول ما تعيشه الجزائر واحتمال تضرر دول جنوب القارّة الأوروبية من تطور الأحداث، قائلاً: "الجزائر بلد جد مهم لفرنسا وإسبانيا وحتى إيطاليا، فهي على بعد 130 كيلومتراً عن مدينة ألميريا جنوب شرق إسبانيا على البحر المتوسط، والأهم أن هذه البلدان الثلاثة لديها تبعية في الغاز للجزائر".

وتعتبر الجزائر من أهم مموني القارّة الأوروبية بالغاز الطبيعي، إذ تستورد القارّة العجوز قرابة 30% من حاجاتها من الغاز من الجزائر عبر ثلاثة أنابيب.

وحسب بيانات رسمية، تحوز إيطاليا أكبر حصة من الغاز الجزائري بنحو 60%، تليها إسبانيا بنحو 20%، وفرنسا 12%، ثم البرتغال 7%، وسلوفينيا 1%.

ووسط توالي المخاوف الغربية من مستقبل إمدادت الغاز الجزائري نحو الجنوب الأوروبي، تسعى السلطات الجزائرية إلى طمأنة الدول المستوردة، وخاصة أنه لم يمض سوى أشهر معدودة على تجديد أغلب العقود، وخاصة مع إسبانيا وفرنسا.

وقال مصطفى بنحمودة المسؤول في شركة سوناطراك النفطية لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر تلتزم باحترام كل ما جاء في العقود المبرمة مع شركائها وزبائنها"، مضيفاً أنه "لا خوف على تدفق الغاز الجزائري".

وأوضح بنحمودة: "الحقول تقع في الجنوب الجزائري، وهي مؤمنة جيداً من حيث الإنتاج والظروف الأمنية، كما أن مصافي التكرير في الشمال، التي تعدّ آخر محطة قبل وصول الغاز إلى أوروبا، مؤمنة أيضاً وتقع خارج المناطق السكنية وتسهر الشركة على حمايتها جيداً".

وأشار إلى أن إنتاج الجزائر يصل إلى 135 مليار متر مكعب سنوياً، وأن الحكومة تسعى إلى زيادته هذا العام بعد دخول الحقول الجديدة حيز الاستغلال.

وكانت الجزائر قد خاضت العام الماضي مفاوضات، لتجديد عقود بيع الغاز لبلدان جنوب أوروبا، وكانت أول العقود التي جرى تجديدها المرتبطة بإسبانيا، إذ قامت شركة سوناطراك، بتوقيع اتفاقيات مع مجمع "غاز ناتورال فينوزا" لتجديد عقود بيع وشراء الغاز الطبيعي ستمتد من 2019 إلى غاية 2030 بقيمة تقارب 30 مليار يورو. كما جددت الجزائر عقود التموين مع فرنسا إلى غاية 2025، ومع إيطاليا عبر اتفاق يمتد حتى عام 2026.

وحسب عبد المجيد عطار المدير العام الأسبق لمجمع سوناطراك، فإن "الغاز الجزائري يواجه اختباراً صعباً يتمثل في ضمان الالتزام بالعقود الخارجية وكذلك تلبية الطلب الداخلي المتزايد".

وأضاف عطار لـ"العربي الجديد": "رغم الاضطرابات التي تعيشها الجزائر، يجب على سوناطراك التركيز على الإنتاج وعدم اضطرابه، لأن ذلك سيؤثر على صورة الشركة ويؤثر على عملية تجديد العقود مستقبلاً".

وتابع : "بحكم التجارب السابقة، تضع سوناطراك مخططاً استثنائياً وقت الأزمات، تجند فيه الطاقات العمالية، وترفع فيه كمية الإنتاج ويتم تخزين الفائض تحسباً لأي طارئ، كما يتم وضع إجراءات أمنية مشددة على الحقول والمصافي ومخارج الأنابيب، فبعد حادثة الهجوم الإرهابي على حقل تيقنتورين (جنوب شرق) في 2011، وضعت الجزائر كل منشآت الطاقة تحت الحراسة المشددة".

كما قال مهماه بوريان الخبير في قطاع الطاقة، إن "الحراك الشعبي في الجزائر لا يزال في خطواته الأولى، ولا يشكل خطراً على إنتاج الطاقة التقليدية بما فيها الغاز، وحتى إن كان هناك أي انفلات، يصعب التكهن بتوقف الإمدادات كلياً، فحتى في سنوات الإرهاب ما بين 1990 و1999، لم تتأثر حركة إنتاح وتصدير النفط والغاز".

وأضاف بوريان أن "المخاوف الغربية مشروعة، فالحياة في ملايين المنازل في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، مرهونة بالغاز الجزائري، ومن المنطق أن يقلقوا ويضعوا كل الاحتمالات، وهنا تقع على الجزائر مسؤولية إقناع زبائنها بضرورة تجاوز المخاوف".

وأشار إلى ضرورة إرسال مبعوثين، إلى الدول المعنية باستيراد الغاز الجزائري لطمأنتهم، وفاءً من الدولة لزبائنها في ظل التنافس الكبير مع الغاز الروسي والنرويجي.

ورغم أن المطالب السياسية تتصدر الحراك الذي يشهده الشارع ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، فإن العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية لا تغيب عن الواقع، وأضحت تفرض نفسها بقوة على مجريات الأمور. فلا تزال آثار الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة منذ 2014، من جراء انهيار عائدات النفط، بادية على حياة الكثير من الأسر الذين تغيرت معيشتهم.

وكانت الحكومة قد لجأت في نهاية 2017 إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي"، الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات.

غير أن الحكومة تعدّت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعدما طبعت ما يعادل نحو 65 مليار دولار، وتستعد لطباعة ما يعادل 10 مليارات دولار أخرى هذا العام، لترفع مستويات الدين الداخلي المتراكم إلى 34% من الناتج الإجمالي الداخلي حسب تصريح رئيس الحكومة أحمد أويحيى نهاية فبراير/ شباط الماضي.