حدود الوهم:الفساد في الأردن... الأرقام تكشف وهن وعود النمو

حدود الوهم:الفساد في الأردن... الأرقام تكشف وهن وعود النمو

13 يونيو 2016
احتجاجات مُنددة بتفشي الفساد (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
ثمة مسافة مقلقة بين مؤشر الناس ومؤشر الحكومة في النظر إلى الفساد، حيث تختلف نظرة كل منهما. ففي حين يعمل الأردن وفق أجندة إنمائية جديدة، تضع الحوكمة الفعالة ومكافحة الفساد وحماية القانون في صلب عملية التنمية، وتؤكد الحكومة الالتزام الكامل بالاتفاقيات الدولية وأحكام موادها، وتعاونها الدولي والإقليمي في محاربة الفساد ومحاصرته عبر 11 مؤسسة رقابية من أهمها هيئة مكافحة الفساد. ويقف مؤشر الناس الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، عقب مسح أجرته في الفترة الواقعة بين أيلول/سبتمبر 2014 وتشرين الثاني/نوفمبر 2015 في 9 دول عربية من بينها الأردن، على الطرف الآخر من القضية. إذ يرى 75% من الأردنيين الذين خضعت آراءهم للمسح، وفق مؤشر الفساد العالمي 2016، أن الفساد ارتفع مؤخراً في بلادهم، وأن نسبة الفساد لدى المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان ماتزال عالية جداً.
تحوّل التفاوت في وجهات النظر بين المؤسسة الرسمية والشارع الأردني إلى قضية خطيرة، حيث يلقي هذا التفاوت اليوم، ظلالاً واسعة من الشك حول نجاعة الإجراءات التي تعمل بها الحكومة.
ومع أن فترة التقاضي، التي يحول طول أمدها دون معرفة المواطن لنتائج القضايا التي سبق وأن تابعها، ولّدت لديه حسب الخبير الاقتصادي محمد الناصر نوعاً من عدم الثقة بجدية ملاحقة ومتابعة الفاسدين، لأنه يبحث على الدوام عن نتائج مقنعة لقضايا تمس اقتصاده ومعيشته. إلا أن القضية برمتها كما يقول الناصر: "ما تزال جذورها ضعيفة، سواء بالنسبة للفساد كحالة، أو بالنسبة لكفاءة الإجراءات والقدرة على مواجهته، لكن من الممكن معالجة الأمر إذا ما تم ذلك من خلال تدابير فعالة، كالتوعية والتثقيف والوقاية، أو إشراك المجتمع في محاربته"، مشيراً إلى أن مواجهته في السنوات الخمس الأخيرة، تحولت من عمل وظيفي إلى مهمة وطنية، وعلى هذا الأساس تقدم الأردن في مؤشرات مدركات الفساد للعام 2015 مقارنة بالعام 2014، فقد حصل على 53 من أصل 100 درجة مقارنة بـ 49 درجة في العام 2014 وحل في المرتبة 45 عالمياً، بعد أن كان ترتيبه 55 في عام 2014.

اختلاف النماذج
رفض حمزة العواملة، موظف حكومي في دائرة تسجيل أراضي غرب عمان رشوة بقيمة 100 ألف دينار، مقابل أن يتغاضى عن أوراق مزورة، تتيح لأشخاص بيع أرض لا يملكونها، لكنه اضطر لمجاراتهم بعض الوقت بالاتفاق مع رئيسه، ريثما يتمكن من الإيقاع بهم، فطلب إليهم الحضور لاحقاً مع أوراقهم الثبوتية للتوقيع على البيع، وفي الموعد المحدد كان رجال البحث الجنائي بانتظارهم، فألقوا القبض عليهم متلبسين بالجريمة كاملة.

موقف حمزة، ليس غريباً في بيئة متأثرة بقيم وتقاليد، لا تتفق مع الفساد. يقول الخبراء "إنه حتى فترة قريبة، كانت "ثقافة العيب" تسود ما عداها من المفاهيم الجديدة التي طرأت على ثقافة المجتمع مع بداية الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته البلاد مطلع عام 2000".
لكن حمزة، الموظف الذي ينتمي لقطاع لم تتجاوز نسبة الرشوة فيه 4% وفق مؤشر الفساد، وهو تقييم إيجابي، لا يعد النموذج الذي يمكن أن يبنى على أساسه خط بياني لتحولات الفساد في القطاع الحكومي. وحسب المؤشر ذاته، يرى 25% من المستطلعين أن القطاع العام في مجمله يعاني من الفساد، فيما اعتقد 32% أن بعضه فاسد. وفي كلتا الحالتين يأخذ الفساد شكله الأفقي، لكنه يتمدد في دوائر ومؤسسات أخرى، أو مع أشخاص آخرين، بنسب متفاوته. ففي مطلع العام الحالي، أحيلت قضايا وملفات تضمنت شبهات فساد وتجاوزات مالية وإدارية وقانونية وسوء استخدام سلطة في دوائر حكومية مختلفة، بلغ عددها نحو 45 قضية.

وخلال العام الماضي، تعاملت هيئة مكافحة الفساد مع 950 شكوى تتصل بقضايا فساد مالي وإداري، أحيل إلى القضاء منها نحو 75 قضية، وقد بلغ مردودها نحو 17 مليون دينار، تمت إعادتها إلى خزينة الدولة والجهات المعنية بها.

فساد القطاع الخاص
وبخلاف ما يشاع من أن القطاع الحكومي بمفرده، يستحوذ على النصيب الأكبر من عبء المشكلة، يتجاوز الفساد الموجود في القطاع الخاص حجم نظيره في القطاع العام. ويرى الخبير المالي أحمد النبهان أن أوجه الفساد فيه تتجاوز ما ترتكبه مجالس إدارات ‏الشركات من تجاوزات إدارية وقانونية ومالية، إلى التلاعب بأموال ‏المساهمين عن طريق شراء شركات وهمية، أو القيام بمشروعات وهمية بأموال ‏صغار المساهمين. إضافة إلى ذلك، يقول: ‏"تم اكتشاف صفقات غير مشروعة، غلب عليها عامل الاحتيال، كقيام إحدى الشركات المحلية على سبيل المثال بتوريد أجهزة طبية منتهية الصلاحية وغير مطابقة للمواصفات لإحدى المستشفيات الحكومية، أحيلت قضيتها إلى القضاء، وتم الحجز على أموالها وأموال رئيسها وأربعة موظفين آخرين ومنعهم من السفر. إضافة إلى التهرب الضريبي الذي يمثل أحد أهم أشكال الفساد لأنه اعتداء صريح على حق الخزينة في تحصيل الأموال المتأتية ‏من أرباح الشركات والأفراد، حيث وصل حجم خسائر خزينة الدولة نتيجة هذا التهرب أو التحايل إلى 1.5 مليار دينار". ‏
"الأردن لم يكن بمعزل عما يجري حوله"، يقول الخبير الاقتصادي زيد الحيلاوي. ويضيف:" لذلك اختلطت الأمور منذ الحرب على العراق، والأموال العراقية التي تدفقت بكميات كبيرة إلى المملكة لاستثمارها في مشاريع مختلفة، حمل بعضها شبهة الفساد"، ويتابع: "ثم جاءت الأزمة في سورية، وتشابكت المصالح، وظهرت فئة استفادت من انفلات الأوضاع، جنت مكتسبات طائلة، استفادت منها في قيادة اقتصاد البلاد بما تملي عليها مصالحها، مستفيدة من التسهيلات والامتيازات التي مُنحت لها في تنمية ثرواتها، واستثمارها بمشروعات ضخمة، كي تمرر فيما بعد صفقات مشبوهة، وتستثمر أموال الناس بطريقة البيع بالآجل، التي أوصلت بتداعياتها بعض شرائح المجتمع إلى مستوى الفقر والإفلاس".
ويكمل: "وعلى النقيض من دول عديدة، تبدو الطبقة ذات المداخيل العالية أو الأكثر ثراء في الأردن، الأعلى نسبة في دفع الرشوة من غيرها، لأنها الأكثر فساداً في أنشطتها، ولديها القدرة على أن تحمي نفسها في ظل غياب قوة الحكومة وسيادة القانون ومعايير المساواة والعدالة والمساءلة".

وتنحصر القطاعات الأكثر عرضة لوقوع الفساد، وفق منظمة الشفافية الدولية، في العطاءات الحكومية، والإنشاءات، والبنية التحتية، والعمالة غير الأردنية، والبلديات، والتهرب الجمركي والضريبي. أما بالنسبة لمراكز القوى، فقد حصد أعضاء البرلمان الأردني أعلى نسبة أصوات 36 % على فسادهم ضمن قائمة مراكز النفوذ العشرة، التي تناولها مسح الفساد العالمي. تلاهم رجال الأعمال 33%، ومسؤولو الضريبة 28%، والمسؤولون الحكوميون 27%، ومكتب رئيس الحكومة 26 %، وهيئات الحكم المحلي 24%، فيما حصل القادة التقليديون على 17%، والقضاة وقضاة الصلح 17%، والقادة الدينيون 16%، والشرطة 12%.
"وإذا ما استثنينا العوامل الجانبية، يشكل تشابك السلطة مع المال، أحد المظاهر الأساسية للفساد في الأردن، لأن رجال الأعمال، وفق رأي الخبير الاقتصادي محمد السعود، يبحثون وبشكل دائم عن السلطة من أجل توفير حاضنة، تتيح المناخ المناسب لتنمية الأموال، ومن المؤكد أن هذا التشابك، يؤدي في المحصلة إلى ظاهرة استغلال النفوذ وتحقيق المصالح المالية، لصالحهم فقط، بصرف النظر عن ملامستها لاحتياجات المجتمع ومتطلبات نموه". يضيف": " إن الاستغلال غير الصحيح لعنصري القوة في المجتمع، والمال والسلطة، أنتج حالة مكشوفة من تبادل المنافع الشخصية على حساب المصالح العامة، ترجمت إلى صفقات ومقاولات واستثمارات، والأشخاص المتنفذين بحكم مواقعهم، يستطيعون الاطلاع على العطاءات والأسهم والشركات، وتوجه الدولة، خاصة أن القرارات الاقتصادية تتم في جو غير شفاف ما يضفي عليها قدراً من الغموض يستثمره المقربون والمتنفذون قبل غيرهم".
وقد سبق للمملكة أن صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، وتبنت استراتيجيات وأطر مؤسساتية معززة لهذا المسار، لكن تدابيرها اتجاه مواجهته ما تزال كما يقول الخبير المالي محمد ياغي ناقصة ومحدودة، وهي بحاجة إلى سياسات منسقة، تحمي الأداء الوظيفي داخل القطاعين العام والخاص، وتضع حداً للعابثين بالمال العام. ويضيف: "هناك تشريعات تعاني من فجوات تساعد على ظهور فرص للربح وتكديس الأموال بصورة تثير الريبة، وكثيراً ما تولد الثغرات المالية فرص فساد ثمينة علاوة على أنها تستغل في تنفيذ عطاءات تحوم حولها أيضاً شبهات كثيرة".

اليوم تتضارب المصالح في الحياة العامة الأردنية، وتستخدم السلطة العامة لمنافع شخصية، ويؤثر ذلك على جهود مكافحة الفساد، حيث يضعها على مفترق طرق. فبينما يرى 34 % من الأردنيين أن جهود الحكومة في مكافحة الفساد جيدة، يرى 61% أنها سيئة للغاية، وهذا يعني أن أغلبية الشريحة التي استهدفها المسح، غير راضية عن الإجراءات والتدابير التي تنفذها الدولة للتقليل من نزيف المال العام.
وعلى الرغم من خطورته، فقد احتل الفساد المرتبة الرابعة، بعد تدني الرواتب والأجور والبطالة والفقر، في ترتيب المشكلات التي يفترض على الحكومة مواجهتها حسب رأي الشريحة ذاتها، ومع اقتناعهم بآثاره المدمرة، يتجنب المواطنون في كثير من الأحيان الإبلاغ عن قضاياه، لأسباب تراوحت بين الخوف من العواقب، وفقدان الثقة بجدية الملاحقة.

المساهمون