حارس العدم

حارس العدم

01 فبراير 2017
+ الخط -


البارحة بالمترو، قاعدين (جالسان) شب (شاب) وصديقته، وعم يبوسوا بعض (يتبادلون القبل) والناس كل مين مشغول بحاله و الجو  آخر  رواق (الأجواء هادئة)، بيوقف المترو بمحطة ويتصادف مرور دورية أمن القطارات فيها، اقتربت الدورية من الشبّاك ونقروا عليه مرتين في إشارة للحبيبين إلى أن يتوقفا ومضوا في حال سبيلهم.


الصبية والشاب أوقفوا القُبل، وبدأوا بالضحك وظلّ الجو آخر رواق. مع مشية (سير) القطار، تذكرت كيف مرة كنت مع صديقتي أيام الجامعة بحديقة تشرين في دمشق، قاعدين عالرصيف بطريق فرعي بين الشجر، ويادوب عم نقول يا هادي.


بتضرب (تلتفت) عيني إلى جنب، بشوف (أرى) عسكري واقف فوق راسنا وعم يتفرج علين (يشاهدنا) وساكت. بعدنا عن بعض أنا وحبيبتي وضل (بقي) العسكري واقف. تكتفنا وعدلّنا جلستنا كأننا على مقعد دراسي وضل العسكري واقف.


صرنا نطلّع (ننظر) عالسما، ونعد نجوم ونراقب حركة الأجرام السماوية والعسكري بعده واقف. قمت محيت اللوح ورتبت الطبشور ومسّاحة اللوح، والعسكري بعده واقف.


كتبت حكمة اليوم، من راقب الناس مات همّاً، والتاريخ بالميلادي والهجري والعسكري بعده واقف.


كتبت أسماء المشاغبين مع جريمة كل واحد فيهم، والعسكري بعده واقف.


فتحنا شناتينا (حقيبتنا) وطلعّنا الوظايف (الوظائف المدرسية) المطلوبة. والعسكري بعده (لايزال) واقف. راجعنا جدول الضرب تبع (الخاص بـ) الخمسة والسبعة أنا وياها. والعسكري بعده واقف.


لعبنا ما كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، نون، وخسرنا اثنينا. والعسكري بعده واقف.


كتبنا أسماءنا عالرمل وقلوب عم تنزف بيناتهم. والعسكري بعده واقف.



حضّرنا حليب الببرونة (عبوة الحليب للأطفال) وغيرّنا حفوضة (حفاض الرضيع) الولد ونشرنا الغسيل. والعسكري بعده واقف.


إجى (جاء) باص الروضة وطلعوا الأولاد مع أبو آرتين شوفير الأوتوكار (الباص). والعسكري بعده واقف.



رجعوا الأولاد وتخانقنا وتزاعلنا وما خلّينا على بعض وتراضينا. والعسكري بعده واقف.


خلص الراتب عشرة الشهر وما كان يجي آخر الشهر، والعسكري بعده واقف.


ضبّينا (وضّبنا) اللباس الشتوي وطلّعنا (أخرجنا) الصيفي، والعسكري بعده واقف.


تخانقنا مع المهرب، ورمينا حالنا بأول بلم (قارب) وعبرنا البحر، والعسكري بعده واقف.


راحت حمص والرقة وداريا ودير الزور وحلب و أهالينا ورفقاتنا وأصدقائنا وأحبابنا وقرايبنا وإخوتنا ونحن رحنا.. 
وهذاك العسكري ببدلته المبهدلة وحذائه الأسود المغبر، وعيونه الجوعانة(الجائعة) وقلبه الميت بعده بمكانه عم يحرس العدم... وواقف.

دلالات

EF9CDCFA-70F5-48FA-A951-FEAC223929E2
عسّاف العسّاف

كاتب سوري يعيش في في العاصمة الألمانيّة برلين. صدر له كتاب بالعربية والألمانية بعنوان "أبو يورغن يومياتي مع السفير الألماني".