جيش محمد القيق

جيش محمد القيق

02 مارس 2016

فيحاء شلش وابنها خلال مؤتمر صحفي في رام الله(31يناير/2016/Getty)

+ الخط -

لا تخف من الارتباط بامرأة قوية، فقد تصبح يوماً جيشك الوحيد، مقولة صدقت فعلاً مع زوجة الصحافي الفلسطيني محمد القيق، والذي خاض إضراباً عن الطعام استمر 94 يوماً، خاضت في أثنائها زوجته الإعلامية، فيحاء شلش، حرباً ضروساً مع صمت العالم، لتوصل صوت زوجها، وتعرض قضيته العادلة، فلم تفتر عزيمتها، وهي مؤمنة بقضية زوجها ووالد ولديها العادلة، وهي قضية كل أبناء الشعب الفلسطيني الذين يتعرّضون للاعتقال الإداري التعسفي من الاحتلال الإسرائيلي، والذي ورثه عن الانتداب البريطاني، أقسى قانون ينتهك حقوق الإنسان.

زوجة القيق امرأة قوية، ضربت مثلاً رائعاً وعظيماً للمرأة الفلسطينية التي تعين زوجها على الدهر، ولا تعين الدهر عليه. ليس موقفها غريباً، كما تؤكد في لقاءاتها الصحفية، لأن أمثالها كثيرات من نساء فلسطين العظيمات اللواتي اختصهن القدر بهذه المهمة، وابتلاهن الزمان بمصيبة الفقد، بالموت أو الأسر، لكنهن يقفن شامخات مرابطات، كشجرة الزيتون على قمة جبل مقدسي.

زوجة القيق امرأة يحتاجها رجل يدافع عن قضية عادلة، ورجل لا يملك إلا إيمانه بهذه القضية، ورجل يحاربه العالم لفضحه ممارسات مغتصب أرضه، إنها امرأة لا تليق إلا بأمثال الأسير القيق.

زوجة القيق تختار كلماتها التي تقع في القلب، وتمس العاطفة، حين تشرح قضية زوجها العادلة، في رسالة بعثتها إلى أردوغان، حين قالت مناشدة له: عرفنا عنكم حب الخير ورفض الظلم ومحاولة رسم الابتسامة على وجه كل طفل مسلم في بقاع الارض، أفلا يستحق طفلاي أن تعيدوا لهما الابتسامة مجدداً التي فقدت، منذ أن استفاقا بلا أب؟

تشبه زوجة محمد القيق، بذكائها وحنكتها، المرأة التي خيرها الحجاج بين زوجها وولدها وشقيقها، فاختارت شقيقها، وحين قالت له مقولتها التي ذهبت مثلاً، حكم بإطلاق سراح الثلاثة إكراماً لها، فهي قد عللت اختيارها لشقيقها بقولها: الابن مولود والزوج موجود لكن الشقيق مفقود، وهكذا اختارت شقيقها، لأن الشقيق لن يعوّض بسبب كبر الوالدين أو موتهما.

زوجة القيق امرأة تعادل جيشاً، وهي تقدم رسالة لكل من هو مقبل على الزواج ألا يخشى اختيار امرأةٍ قويةٍ بلسان بليغٍ، يستطيع أن يوصل حجته، ويعلي نبرته في حضرة سلطان جائر، إنها امرأة ينام زوجها بعيداً عن بيته، وهو قرير العين مرتاح البال، لأن جيشاً من صناديد يصون عرضه وشرفه، ويسهر على عياله، ويذود عن حماه.

تعمل زوجة الأسير الصحفي محمد القيق صحفية، أي أنها وزوجها، في مهنة واحدة، وهي مهنة المتاعب في كل العالم. ولكن، في فلسطين هي مهنة المصاعب أيضاً، لأنها مهنة توصيل صوت الحق إلى العالم، في وقت يتعالى فيه صوت الظلم، حتى يصم الآذان، ويعمي الظالم بالتزييف وقلب الحقائق الأبصار، ويميت الضمائر.

لم تكن زوجة الأسير القيق زوجة عادية، تبكي وتولول، وتقبع في بيتها، هي امرأة من طراز خاص، ستصبح مثالاً يحتذى به لكل الزوجات الفلسطينيات اللواتي يعرفن كيف يدرن المعركة، ويكسبن الجولات، فقد استطاعت أن تجتاز الحواجز الإسرائيلية، وأوصلت ملف اعتقال الصحفيين الفلسطينيين إلى كل العالم.

استطاعت زوجة الأسير الفلسطيني أن تسخر مهنتها، صحفية وإعلامية مؤمنة بنزاهة قضية زوجها وشعبها لنصرة قضية كل الأسرى الفلسطينيين، وخصوصاً ملاحقة الاحتلال الصحافة الفلسطينية، والعاملين في مجالها من صحفيين ومصورين ومراسلين، واستطاعت أن توحد الكل الفلسطيني، تحت شعار واحد، هو "أطلقوا سراح القيق".

زوجة الأسير القيق، المحجبة بلا تعصب، والرقيقة في وقار، والمهذبة في حضور لافت، يجب أن تهنأ وحدها بالإفراج عن زوجها، فقد عادت إليها الحياة بعودته إلى الحياة، بعد مصارعته الموت. يحق لها أن تصحبه إلى البيت، حيث الدفء والراحة، وتوصد الباب جيداً أمام كل الناعقين والمتخاذلين والمنتظرين نتيجة المباراة، لكي يحدّدوا لأي فريق يهتفون ويصفقون.

 

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.