جمعة جديدة لتظاهرات جنوب العراق: أطول احتجاج منذ 2003

جمعة جديدة لتظاهرات جنوب العراق: أطول احتجاج منذ 2003

17 اغسطس 2018
يقول المتظاهرون إن مطالبهم لم تتحقق(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتوقف التظاهرات والاعتصامات في جنوب العراق حتى اليوم، ولو أنها باتت على نحو متذبذب في بعض المدن، مع استمرار المطالبات بما يُطلق عليه المتظاهرون "حقوقاً بديهية"، مثل المياه الصالحة للشرب، والكهرباء، وفرص العمل للشباب، والتخفيف من وطأة الفقر في مدن جنوب العراق، والقضاء على الفساد، مُسجلة بذلك أطول احتجاج مستمر منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، إذ وصل الحراك أمس الجمعة إلى يومه الأربعين على التوالي، منذ انطلاقه في 8 يوليو/تموز الماضي، وسط تكثيف الجهود الأمنية ومحاصرة الساحات الخاصة للاحتجاج واستمرار "عمليات القمع" بحق المتظاهرين كما يقولون. وبلغ عدد القتلى 19 قتيلاً حتى الآن، بعد وفاة متظاهر الأربعاء في البصرة نتيجة ضربه بآلة حادة على رأسه من قبل عناصر أمن كانوا يحاولون فض اعتصام قرب حقل نفطي شمالي البصرة، إضافة إلى نحو 700 جريح ومئات المعتقلين الذين أُطلق سراح أغلبهم لاحقاً، عدا عن عمليات الضرب واستخدام قنابل الغاز على المتظاهرين من قبل قوات الأمن وتساندها مليشيات "العصائب" و"بدر" التابعة لـ"الحشد الشعبي"، بحسب ناشطين.

وحتى الآن لم تحقق الحكومة العراقية مطالب المتظاهرين، إلا الجزء البسيط منها، المتعلق بملف التحقيقات في قضايا الفساد، وأبرزها تحقيق هيئة النزاهة الحكومية بملف مطار النجف، الذي تدور حوله الكثير من الشبهات إبان سيطرة الأحزاب الإسلامية وتحديداً "التيار الصدري"، المتهم بالتلاعب بمقدرات وخزينة واستثمارات المطار. إضافة إلى إصلاح بعض الطرق الفرعية في مناطق محافظة ذي قار، بينما لم تصل حتى الآن أي مبالغ مالية من الحكومة إلى تلك المدن لإصلاح منشآت الكهرباء والماء، بحسب مسؤولين.

وازداد تعقيد المشهد الأمني في مدن الجنوب، مع تدخّل طائرات مروحية تابعة لوزارة الدفاع، إذ تطوّق هذه الطائرات مناطق تشهد تظاهرات في البصرة، مثل منطقة الشهيد عز الدين، والهوير، "في محاولة لتهديد المتظاهرين"، بحسب الناشط وسام الحمداني، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن "القوات الأمنية العراقية من الشرطة والجيش تعمل على ترهيب المتظاهرين، بطريقة مشددة، وتتعامل معنا على أننا خارجون عن القانون، لا سيما بعد وصول عدد من الطائرات المروحية خلال الأيام الماضية، والتحليق فوق المحتجين".

وأضاف الحمداني أن "أعداد المتظاهرين انخفضت خلال الأيام الأربعة الماضية، لكن بعد مقتل أحدهم وهو الشاب حارث السلمي، بعد تعذيبه وضربه بالعصي حتى الموت من قبل عناصر مسلحة لم تتضح حقيقة انتمائها للأجهزة الأمنية بعد، ولا نعرف هل هي قوات أمنية نظامية أم مليشيات، عادت أعداد المحتجين إلى الازدياد، وسط استياء وغضب كبيرين مما حدث"، مشيراً إلى أن "مطالب المتظاهرين تزداد يوماً بعد يوم، فمنذ البداية طالبنا بالخدمات المتعلقة بالمياه الصالحة للشرب، وتوفير التيار الكهربائي لساعات أكثر، لكن الاعتداءات الكثيرة من قبل المليشيات والقوات الحكومية، أدخلت مطالب التحقيق بعمليات التعذيب التي يتعرض لها الناشطون على خط المطالب".

ولفت الحمداني إلى أن "بعض القيادات العسكرية أوعزت بغير حق إلى إدارة بعض المستشفيات الحكومية في الهارثة والهوير وناحية الشهيد عز، بعدم استقبال المصابين في التظاهرات، ومنع معالجتهم بعد اختناقهم بالغازات المسيلة للدموع". وأشار إلى أن "الكثير من المتظاهرين لم يعودوا اليوم يؤمنون بكلام المرجعية الدينية، وما تفرزه في خطبها المعهودة في أيام الجمعة، لأنها حتى الآن محايدة، وهذا الحياد لا يصب في مصلحتنا، فبين حين وآخر يُقتل ناشط ويُعذَب آخر، ونحن مستمرون بالمطالبة بحقوقنا التي كفلها الدستور العراقي، بتظاهرات سلمية غير مسلحة ولا توجد فيها أي ملامح للثورة الغاضبة".

يشار إلى أن البصرة أولى المدن العراقية التي بدأت فيها التظاهرات، مطلع الشهر الماضي، وعلى الرغم من انخفاض أعداد المتظاهرين فيها خلال الأيام الماضية، إلا أنها الأكثر عدداً لجهة المحتجين مقارنة مع باقي المحافظات الجنوبية الأخرى. وتؤكد حكومة البصرة المحلية عدم وصول أي مبالغ مالية للبدء بالمشاريع الخدمية التي يطالب بها المتظاهرون.
في هذا السياق، قال عضو المجلس المحلي في المدينة غانم حميد المياحي، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداد المتظاهرين انخفضت بشكل كبير خلال الأيام الماضية، لأن الذين تركوا ساحات الاحتجاج عادوا إلى بيوتهم، وهم يترقبون الآن طبيعة استجابة الحكومة الاتحادية لمطالبهم، سواء بما يتعلق بالمياه والكهرباء وفرص العمل، وتنفيذ المشاريع المتوقفة، ومحاسبة المسؤولين عن مقتل عدد من المتظاهرين"، محذراً من أن "عدم تحقيق أي من مطالب المتظاهرين سيُدخل البلاد في حلبة غاضبة، لأن المتظاهرين توعدوا بثورة على الحكومة الفاسدة في حال عدم توفير ما يحتاجونه".

وأشار إلى أن "الحكومة الاتحادية لم تتحرك لمعالجة قضية المياه في المحافظة، فلا تزال المياه غير صالحة للشرب بسبب ملوحتها الكبيرة، لكن هناك تحسناً في عدد ساعات توفير الطاقة الكهربائية"، لافتاً إلى أن "مجلس المحافظة المحلي شكّل لجنة للتقصي والتحقيق بحادثة مقتل أحد المتظاهرين"، مؤكداً "وجود مندسين داخل التظاهرات". وعما تحقق من قرارات الحكومة العراقية، أوضح أنه "حتى الآن لم تصل أي مبالغ مالية إلى البصرة عدا مبلغ 97 مليار دينار عراقي (نحو 82 مليون دولار)، وهو مُقر بقرار قديم من الحكومة الاتحادية، ويشمل رواتب معلمين ومدرسين يعملون بصيغة العقود، وتنظيف البصرة وإرسال بعض المرضى إلى الخارج، ولكن لا توجد أي مبالغ مالية ترتبط بمطالب المتظاهرين".


وفي مدينة النجف، أكد الناشط علي السنبلي، لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات اعتقال الناشطين والمتظاهرين مستمرة، وتتم عن طريق المراقبة عبر الكاميرات الموجودة في الشوارع والساحات التي نحتج فيها، ولا تحصل عملية الاعتقال أثناء الاحتجاج إنما بعد يوم أو اثنين من خلال فريق يرصد وجوه المتظاهرين ويلاحقهم ويعتقلهم"، مشيراً إلى أن "قوات الشرطة اعتقلت ليلة الأربعاء الناشط حيدر هويدي في قضاء المشخاب، وحتى الآن مصيره مجهول".

من جهته، قال عضو المجلس المحلي في مدينة ذي قار، شهيد الغالبي، إن "الحكومة الاتحادية كانت قد وافقت قبل عشرة أيام على خمسة آلاف وظيفة لشباب ذي قار من المعلمين والمدرسين، وتم الحصول على الغطاء المالي من قبل وزارة المالية، ولكن لسبب مجهول قامت وزارة المالية بتعطيل القرار بحجة دراسة الغطاء المالي لهذه الوظائف"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "أعضاء مجلس ذي قار، سيتظاهرون مع المحتجين في الشوارع خلال الأيام المقبلة، فمطالب المتظاهرين هي مطالبنا نفسها، وكنا ننادي ونطالب بتحقيقها منذ سنوات". ولفت إلى أن "الإصلاحات التي جرت خلال الأيام الماضية، هي البدء بإصلاح طريق قضاء الجبايش العام، وطريق المرور السريع الذي يربط الناصرية (مركز ذي قار) بمدينة الديوانية. وهذا ما تحقق بشكل عملي، لكن التظاهرات لن تتوقف لأننا ندعمها".

أما ناشطو العاصمة بغداد فيغيبون عن الساحة الاحتجاجية، بسبب ما يقولون إنها مضايقات أمنية وقمع متكرر فضلاً عن الاعتقالات. وقال الناشط نصير الدراجي، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات في بغداد ميتة، مع أنها لا تحمل أي مطالب تتعلق بالعاصمة، إنما هي مجرد تأييد لمطالب الجنوب، ولكن تكرار ضرب المتظاهرين والاعتداء عليهم وتفريقهم عبر الغاز المسيل للدموع، جعل الناشطين يعزفون عن الحضور إلى ساحة التحرير".

إلى ذلك، أكد المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، سعد الحديثي، أن "الحكومة دخلت منذ انطلاق التظاهرات في حالة استنفار قصوى على الأصعدة كافة، واجتمعت بوفود تمثّل المحافظات المحتجة ومن ضمنها محافظة نينوى، وهناك اجتماعات أخرى مع وفود من مدن أخرى"، لافتاً إلى أن "الحكومة أصدرت منذ بداية التظاهرات وحتى اليوم، أكثر من مائتي قرار يتعلق بتنفيذ مطالب المتظاهرين، وتم تحقيق الكثير من المطالب على المستويات المالية والوظيفية، والقروض والقطاع الخدمي والصحي والكهرباء والماء".

وعن عدم وصول الأموال المخصصة لمشاريع مدن الجنوب، قال الحديثي لـ"العربي الجديد"، إن "الأموال المخصصة للمحافظات كلها أُقرت من قبل الحكومة الاتحادية، ولكن وصولها إلى المدن الجنوبية مرتبط بإجراءات وزارة المالية". وبشأن حديث المحتجين في الجنوب عن اشتراك قوات غير نظامية أو مليشيات إلى جانب قوات الجيش والشرطة، في قمع التظاهرات واعتقال الناشطين، أشار إلى أن "القوات التي تتولى الملف الأمني بما يخص تأمين أجواء التظاهرات، تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع، ولا توجد أي عناصر أمنية خارجية، ولكن بعض القوات ترتدي الزي المدني مثل الاستخبارات وهو أمر مرتبط بطبيعة عملها".

المساهمون