جدليّة سيناء

جدليّة سيناء

27 أكتوبر 2014
+ الخط -
لا يحمل الردّ المصري الرسمي على الاعتداء الذي تعرض له الجيش، يوم الجمعة، سوى تأكيد جديد على أنّ حكام القاهرة لا يزالون يعيشون في فترة ما قبل ثورة يناير. يظهر ذلك جلياً في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الشعب، وفي الخطوات التي شرع الجيش في تنفيذها لحلّ "المسألة الإرهابية" على طريقة الجنرالات: معاقبة شعب تلك المنطقة.

في خطاب السيسي، غرام بنظرية المؤامرة الأصيلة في أدبيات الأنظمة العربية التي لا تجد أجوبة عن تحديات داخلية ناتجة عن فسادها وظلمها وقمعها، سوى بإرجاعها إلى عامل خارجي يتم التعظيم من حجمه للتهرب من المسؤولية. هكذا، يمكن استبدال عبد الفتاح السيسي بمعمر القذافي أو بشار الأسد أو حسني مبارك في خطاب "القوة الخارجية المتآمرة في الهجوم"، من دون أن يُصاب المضمون بأي خلل. هذا في الأدبيات. أما تعاطي حكام مصر مع سيناء كمسألة برانية، وكعبء عشائري فقير على البلاد، واختزال سيناء بشقها الجنوبي وبمنتجعات شرم الشيخ وسياحته، وعدم الاعتراف بمسؤولية تاريخية في تعاطي المركز المصري مع الأطراف المهمشة والفقيرة، فجميعها أسباب أكيدة للكارثة التي لا تنفع تنويعات المؤامرة ولا الأصابع الخارجية في معالجتها.

لماذا يُطلب من أهالي المناطق البائسة من سيناء، الوقوف في خط النار ضدّ المجموعات التي تهاجم الجيش، وهم لا يعرفون من "الدولة" سوى طائراتها الحربية ودباباتها، لا جامعاتها ومستشفياتها ومدارسها ومشاريعها التنموية؟ ألا يدرك السيسي وجنرالاته أن ضرب تنظيمات إسلامية "وسطية" أو "معتدلة" نوعاً ما، ووضعهم في خانة الإرهاب الداعشي نفسه، لا يترك بديلاً لشارع إسلامي عريض، سوى خيارات انتحارية عنفية؟

أما زجّ حركة حماس في الاعتداء، جرياً على ما هو معمول به منذ انقلاب العام 2013 من تحميل الحركة مسؤولية كل مصائب مصر، فقد بات عملةً منتهية الصلاحية، ذلك أن "حماس" بحاجة إلى التمسك بأي خيط من شأنه تخفيف الحصار والتجويع المصريَّين عليها وعلى فلسطينيي غزة.

درس سيناء يجدد تأكيد المؤكد: لا يمكن لأي طغمة حاكمة أن تتعاطى مع جزء من مواطنيها كأنهم فائضون عن الحاجة، ثمّ تتساءل بخبث: لماذا لا يحبّوننا؟

المساهمون