تونس.. ما ينتظر حكومة الشاهد

24 نوفمبر 2018
+ الخط -
لم ينتظر رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، طويلا، بعد تصويت البرلمان على منح الثقة للتعديل الوزاري الذي أجراه، وأداء الوزراء الجدد اليمين أمام رئيس الجمهورية، بما يرمز لما سمّاه ملاحظون "تجاوز أزمة"، و"انتقالا ناعما" من حكم بواسطة وزير أول إلى حكم بواسطة رئيس حكومة، بما يعني العودة إلى دستور الجمهورية الثانية (2014)، والاحتكام لعلويته ومؤسساته التي حدّدت صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة ومهامهما... لم ينتظر الشاهد طويلا، ليعلن أولويات حكومته في تشكيلها الجديد، فقد قال، في افتتاحه منتدى شارك فيه أكثر من 650 صاحب مؤسسة من أكثر من ثلاثين دولة، إن تحقيق انتعاشة في الاقتصاد وإعطاء دفع للنمو من أبرز أولويات الحكومة للسنة المقبلة، بالتركيز على القطاعات المنتجة من الصناعات الاستراتيجية والفلاحة والسياحة، وخلق مواطن شغل جديدة، من توفير اعتمادات استثنائية لفائدة صندوق التشغيل، بهدف مساعدة الشباب على توفير التمويل الذاتي الضروري لإنشاء المؤسسات، إضافة إلى إنشاء بنك الجهات خلال سنة 2019. وفي افتتاحه المنتدى العالمي الأول للصحافة في تونس، قال الشاهد إن حكومته "حريصة على إرساء ديمقراطية سوية كاملة، وصحافة حرة تامة الاستقلالية، لا يشوبها نقص نظرا لتلازم الديمقراطية والإعلام".
جاءت هذه التصريحات مباشرة بعد طي صفحة مسلسل الأزمة التي طالت، ليؤكد الشاهد من 
خلالها أن فصول الحرب الباردة قد انتهت، وأنه، وحكومته المعدّلة، خرجا منتصريْن بتزكية البرلمان، وأن التفكير الآن يتجه مباشرة إلى العمل على تنفيذ البرامج والملفات التي تنتظره وحكومته، وفاء بوعوده أمام البرلمان في شرح أسباب التعديل الوزاري.
والواقع إن المزاج التونسي العام الذي يشهد انفراجا نسبيا يتوقع محطاتٍ قد يكون صعبا على الحكومة أن تجتازها بسلام، وصولا إلى ما تتطلع إليه من تحقيق للأهداف المعلنة. وفيما يصر صندوق النقد الدولي على رفض كل زيادة على مستوى التأجير العمومي، ما يجعل الحكومة ملزمة، تبعا لاتفاقاتها المسبقة معه، بعدم المضي في مسار الزيادة في الأجور، فيما إضراب العاملين في القطاع الحكومي في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي ألح في المطالبة بالزيادات. وسيكون لذلك كله انعكاس سلبي على إطلاق المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي يشرف على جلسته التأسيسية رئيس الحكومة يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو المجلس الذي يندرج إحداثه في إطار تنفيذ بنود العقد الاجتماعي، الموقع في 2013 بين الحكومة والمركزية النقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، بدعم من منظمة العمل الدولية، وتعتبر هذه الأطراف هذا المجلس الإطار الأمثل لضمان حوار اجتماعي ثلاثي فعال ومنتظم في مجال العلاقات المهنية.
وفي المحصلة، كان الحوار والتفاوض، ثم التوافق، من "أبرز السمات التي ميزت التجربة التونسية في مختلف مجالاتها على امتداد السنوات الثماني بعد الثورة"، وكان الأمل دائما يحدو مختلف الأطراف، للتوصل إلى حل من شأنه أن ينزع فتيل التوتر الاجتماعي.
وينتظر ملف حارق آخر حكومة الشاهد، ويتعلق بما أصبح يسمى الغرفة السوداء التي كانت محور الندوتين الصحفيتين لهيئة الدفاع في قضيتي اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد، والتي ترى أن لأطراف في الحكم علاقة بهما، وهي إحدى الأوراق التي تستعملها المعارضة لمزيد الضغط على الحكومة لمعرفة حقيقة اغتيال الرجلين، وتعتبر الرواية الرسمية أن الأمر مجرد غرفة من غرف الأرشيف، تضمنت وثائق ومستندات، انقضت قيمتها الإدارية، لا علاقة لها بملف القضية.
وبقطع النظر عن ضجة الروايتين، فإن الحكومة التي جدّدت التزامها بمتابعة مسار التحقيق في
 ملفي البراهمي وبلعيد، تجد نفسها اليوم في موقف صعب، في سنة انتخابية بدأ وطيس التنافس يحتد فيها، خصوصا بين التيار اليساري بقيادة الجبهة الشعبية وحزب النهضة الموجه إليها إصبع الاتهام بالوقوف، من بعيد أو من قريب، خلف واقعتي الاغتيال. وإن أنكرت مرات عديدة، فإن ذلك يتطلب منها العمل على تقديم الدلائل وحسن النيات وتجنب الانخراط في التصعيد الإعلامي الذي يزيد المناخ السياسي توترا، ينعكس سلبا على أداء الحكومة، خصوصا وأن حركة النهضة من مكونات هذه الحكومة. ولتجاوز الأزمة، تبدو الحكومة مطالبة بتوضيح مآل سير التحقيق للرأي العام، بهدف تبديد المخاوف ورفع كل لبس.
أخيرا، تعتبر ميزانية الدولة لسنة 2019، والتي ستعرض بعد أيام على مجلس نواب الشعب، من التحديات الضاغطة على حكومة الشاهد، باتجاه تمرير مشروع القانون بأغلبية مريحة، خصوصا وأن مشروع قانون المالية لسنة 2019 لا يختلف كثيرا عن مشروع قانون المالية 2018، لأنه يصدر عن الحكومة نفسها، من جهة، ولأنه يقرّ الاختيارات الأساسية التي سبق وأن سنت من جهة أخرى، على الرغم من تعديلات أدخلت عليه، بهدف معالجة الأسباب الهيكلية لعجز الميزان التجاري وتفاقم المديونية والتضخم المالي وارتفاع أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدينار. ويرى ملاحظون أن مشروع قانون المالية لسنة 2019 تضمن هذه الإشكاليات بسلبية مطلقة، لأنه لم ينشر في ديباجته ملامح سياسية بديلة، من شأنها أن تخرج تونس من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، ولو على مراحل.
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
35FE487F-4A9A-4B25-8DF9-AF430105714E
محمد أحمد القابسي

كاتب وأكاديمي وشاعر تونسي

محمد أحمد القابسي