توجّسات انقلابيّة في تونس..

توجّسات انقلابيّة في تونس..

08 اغسطس 2014
+ الخط -

ترتّب على إعلان خبر استقالة رئيس أركان جيش البرّ التونسي، الجنرال محمد صالح الحامدي، في وسائل إعلام تونسية، جدلٌ مكثّف. وعلى الرغم من أن السياسيين لم يدلوا بدلوهم، رسمياً، في هذا الموضوع، فإن عاصفة من التجاذبات تلوح في الأفق، وخصوصاً أن المناخ الإقليمي ملبّد بغيوم كثيفة، تُنبئ بإمكانية تغييرات عميقة. إنه خبر دخل بسرعة حيّز التجاذب الالكتروني، وبقوة، وهذه بعض ملامح ما يدور في المواقع التونسية في هذه الأيام.

في خبر أوردته صحيفة الديار التونسية، نقرأ: "أكد الملحق الإعلامي لوزارة الدفاع، اليوم الأربعاء 30 يوليو (تموز) 2014، استقالة السيد محمد الحامدي، رئيس أركان جيش البرّ، مؤكداً أن وزارة الدفاع الوطني، أوضحت أنّ رئيس أركان جيش البرّ، محمد الصالح الحامدي، قدّم استقالته بتاريخ 23 يوليو 2014، لأسباب شخصية، وتمّ قبولها". وعلى الرغم من أن البيان يصرّح أن الأسباب شخصية، فإن العارف بالوضع التونسي لا يمكنه أن يفصلها عن آخر المستجدات، أي العمليات الإرهابية في أواخر شهر رمضان، التي راح ضحيتها نحو عشرين جندياً تونسياً. وكما نعلم، يحظى الجيش التونسي بثقة مثالية في تونس، من الطبقة السياسية، وعلى المستوى الشعبي، ثم إن تونس مقبلة على استحقاقات انتخابية بداية من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. إذن، هل يمكننا أن نتحدث عن وضع ورقة الجيش في سياق سياسي، خصوصاً وأن أغلب الانتقادات كانت توجه، أساساً، إلى أعلى سلطة فيه، قائد القوات المسلحة، أي الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي، والمتوقع أن يكون أحد مرشحي الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

المرزوقي، بالنسبة لأنصاره، ولكل مَن دفعهم تيار الثورة إلى المواقع الأمامية للسلطة، من أحزاب الترويكا خصوصاً، يمثل ضمانة الثورة، بمعنى أنه صمام أمان أمام عودة النظام السابق بوجوهه نفسها، إذ يتردّد، دائماً، أنه أخرج حكومات الترويكا من عمليتين انقلابيّتين على الأقل، الأولى بعد اغتيال شكري بلعيد في فبراير/ شباط 2012، والثاني إثر إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في يونيو/ حزيران 2013. وفي الموقفين، نجح في استعمال صلاحياته بالشكل المناسب.
في هذا الاتجاه، كتب مدوّن معروف باسم "جورناليست فو"، على صفحته: "ما يحدث في تونس، في هذه الساعات، محاولة إطلاق رصاصة الموت الأخيرة على الثورة، على الرغم ممّا شابها من أخطاء. فإعلان وزارة الدّفاع قبول استقالة الجنرال الحامدي، وترويجها في إذاعات الإعلام الانقلابي، خرق واضح للدستور، باعتبار أنّ المخوّل الوحيد لقبول الاستقالة أو رفضها، هو رئيس الجمهورية، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة".

إذن، هي المعركة الأخيرة لمَن لم يفهم بعد، معركة لو خُسرت سنعود، كما كنّا، مجرّد قطيع. هي المعركة الأخيرة، ونحن ننتظر أن يخرج مَن بيده السلطة في المؤسسة العسكرية ليصارح الشعب بالحقيقة. فإخفاء الحقيقة لا يختلف في شيء عن الانقلاب. وبمثل هذا التصعيد، تتصدى معظم الآراء في المواقع الاجتماعية، في الشقين الحاكم والمعارض. ففي الجانب المقابل، كثيراً ما تعترضك، منذ أيام، صور تجمع المرزوقي ورئيس أركان الجيش مع تعليق "متى تتركون مكانكم لأنكم فشلتم؟"، في ما يشبه التوظيف المباشر لاستثمار الأزمة في جانب الخصم.
ويلاحظ الإعلامي نور الدين المباركي، على صفحته في "فيسبوك"، "المرحلة المقبلة ستكون تحدياتها أكبر للمؤسسة العسكرية: جبل الشعانبي والحدود الليبية علاوة على تأمين الانتخابات"، ويسأل: "أمام هذه الملفات، وأكيد أن هناك ملفات أخرى مطروحة تعتبر من أسرار المؤسسة العسكرية، إما أنها دفعت رئيس أركان جيش البر للاستقالة، لعدم قدرته على تحمّل الضغوط، على الرغم من أن هذا ليس من سلوك العسكري، أو أن معلومات بلغته بإعفائه من مهامه، فاستبق ذلك بالاستقالة".

ولا يزال الخطاب الرسمي يتسم بالحيطة المُبالغ فيها، ولا يمكن بحال التنبؤ بتحرّكات السياسيين. علماً أن وزارة الدفاع نفت خبر استقالة الجنرال الحامدي، قبل أن يؤكده الناطق باسم وزارة الدفاع، وظل يُتداوَل أياماً في تسريبات. لكن السؤال المطروح، بعدما صدقت التسريبات، هل إن جس النبض الذي جرى يعني أن تونس ستمضي في طريق أخرى؟

شوقي بن حسن - نزهة الغروب - رمضان 2023
شوقي بن حسن
صحافي تونسي، مساعد سكرتير تحرير في موقع "العربي الجديد". كاتب متخصّص في الشأن الثقافي.