تركيا وانتخاباتها البلدية: إمّا قاتل أو مقتول

تركيا وانتخاباتها البلدية: إمّا قاتل أو مقتول

05 فبراير 2014
+ الخط -
انطلقت حملات الانتخابات المحلية التركية باكراً. فمنذ أسابيع، بدأ رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان جولات مكثفة في كافة المدن والمحافظات. وفي مؤشر على شراسة المواجهة المقبلة، قدّم حزب "العدالة والتنمية" عدداً من وزرائه للمنافسة على بلديات المدن الكبرى، في محاولة من الحزب الحاكم لضمان الفوز في المدن المهمة. ومن أبرز هذه الأسماء: وزير المواصلات علي بن يلدرم، ونائب رئيس الوزراء علي باباجان، ووزير الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي آغمن باغش، ووزير الشباب والرياضة سوات كلج. وهو ما دفع أردوغان إلى إعفائهم من مناصبهم الوزارية للتفرغ للانتخابات.

ويولي أردوغان أهمية بالغة للحصول على رئاسة بلديات المدن المهمة مثل اسطنبول وأنقرة، وخصوصاً أنطاليا وأزمير اللتين يسيطر عليهما حاليا حزب الشعب الجمهوري.

ويرى محللون سياسيون أن فوز مرشح حزب ما برئاسة بلدية هذه المدن الكبرى، سيمثّل مؤشراً واضحاً على فوز ذلك الحزب في الانتخابات البرلمانية العامة. وفي سياق متصل، ذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة "حرييت ديلي نيوز" التركية، أنّ الانتخابات المحلية المقبلة تمتاز بأهمية تاريخية بالنسبة للأحزاب السياسية الأربعة الممثّلة في البرلمان، مشيراً إلى أن نسب التصويت قد تسفر عن نتائج يمكن أن تؤدي إلى فقدان قادة الأحزاب الأربعة مقاعدهم، وبالتالي فإن الأحزاب ستقوم بتقديم أقوى المرشحين لديها.

 تحالفات المعارضة

تشارك الأحزاب التركية المحسوبة على تيار المعارضة حالياً في مفاوضات ومباحثات بحثاً عن سبل تشكيل تحالفات سياسية تمكّنها من مواجهة مرشحي "العدالة والتنمية". ويسعى حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، إلى إنهاء سيطرة "العدالة والتنمية" على اسطنبول وأنقرة اللتين تعتبران هدفاً استراتيجياً للحزب، وذلك من خلال الدخول في تحالف واسع مع حزب الحركة القومية وحزب العمل الشيوعي وحزب التضامن والحزب الديموقراطي اليساري. في المقابل، يستبعد محللون لجوء "العدالة والتنمية" إلى التحالف مع أحد الاحزاب.

 وطأة قضايا الفساد

أوراق كثيرة وظّفها أردوغان في الانتخابات العامة قبل ثلاثة أعوام، منها كَسب غالبية أصوات النساء، والاستفادة من تشرذم خصومه ومنافسيه وأخطائهم، والإنجازات المهمة التي حققها الإسلاميون في أكثر من مدينة تركية أشرفوا على شؤونها. لكن المشهد يختلف اليوم، إذ يهيمن طيف الأزمة السياسية الكبيرة التي تضرب البلاد، على خلفية ملف الفساد المفتوح ضد أركان من حكومة أردوغان وعائلته حتى، والتي تعتبر أخطر أزمة على حكم "العدالة والتنمية" منذ تسلّمه الحكم قبل 12 عاماً. وربما هذا ما دفع أردوغان إلى تبنّي أسلوب جديد في اختيار المرشحين في بعض الأماكن الحساسة التي يريد الاحتفاظ بها أو انتزاعها من المعارضة، مثل هاتاي وغازي عنتاب وأرضروم، حيث حرّك أهم الأحجار على رقعة الشطرنج، وضحى بثلاثة وزراء مقرّبين منه ليوجّههم إلى هذه المدن علّهم يرأسون مجالسها المحلية.

يعتمد "العدالة والتنمية" في حملته الانتخابية، على جملة من الانجازات والنماذج الناجحة في المدن التي يديرها، واعداً بنقل تجربته إلى المدن الأخرى، وخصوصاً مدينتي أزمير وأنطاليا. ويسعى الحزب إلى استغلال نتائج ما قدمه في حزمة الإصلاحات الدستورية والسياسية والاجتماعية، من خلال كسب القدر الممكن من أصوات العلويين والأكراد والأقليات الأخرى.

وفي إشارة جديدة الى تركيزه على المرأة في برنامجه الانتخابي، أعلن الحزب الاستعداد لترشيح عدد من السيدات المحجبات في الانتخابات المحلية المقبلة، وذلك بعدما أجرى دراسة قانونية أكدت عدم وجود أي مانع قانوني لخوض السيدات المحجبات للانتخابات.

أما البرامج الانتخابية لأحزاب المعارضة، وخصوصاً "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية"، فتركز على استغلال "فضيحة فساد الحكومة"، واتهام أردوغان باتباع سياسات أسلمة المجتمع من خلال فرض قوانين تضييق على الحريات، وزيادة نسبة الضرائب على الكحول، بالإضافة إلى قرارات تمنع اختلاط الجنسين في مساكن الطلاب، والتركيز على مشكلة البطالة التي تعاني منها تركيا، واستغلال معارضة شرائح من المجتمع التركي لسياسة رئيس الحكومة تجاه قضايا الشرق الأوسط، وتحديداً الموقف من مصر وسوريا.

وفي الوقت الذي يسعى فيه "الشعب الجمهوري" إلى الحد من سيطرة "العدالة والتنمية" على شؤون الحكم البلدي، عبر إظهار دعمه وتأييده لحرية المرأة في ارتداء الحجاب خلال حملته الانتخابية الحالية، فإن "الحركة القومية" نحى باتجاه تأييد التوجهات الإيجابية الجديدة في التعامل مع الطائفة العلوية.

 حرب استطلاعات الرأي

ووفقاً للاستطلاع الذي أجرته أخيراً مؤسسة "كونسنسس"، إحدى أهم شركات استطلاع الرأي التركية، قد يحصل "العدالة والتنمية" على 50 في المئة من مجموع الناخبين الأتراك في انتخابات برلمانية مقبلة، في مقابل 27 في المئة لأقرب منافسيه ("الشعب الجمهوري")، بينما سيحصل الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية على 40 في المئة، بينما سيحصل "الشعب الجمهوري" على 25 في المئة من مجموع الأصوات.

وفي السياق ذاته، أظهر أحد استطلاعات الرأي التي نظمتها شركة (ORC) للدراسات، أن "العدالة والتنمية" سيتقدم على الأحزاب التركية في الانتخابات المحلية، في معظم المدن التركية، بما فيها إسطنبول وأنقرة، حيث يتوقع أن يحصل مرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول على 43.8 في المئة، في حين يتوقع أن يحصل مرشح "الشعب الجمهوري" على ما نسبته 33 في المئة من أصوات الناخبين. أما في العاصمة أنقرة، فقد أشارت الاستطلاعات إلى تقدم مرشح حزب أردوغان ليحصل على 44.8 في المئة، بينما يحصل مرشح حزب أتاتورك على 29.2 في المئة.

غير أن استطلاعات أخرى أجرتها العديد من مراكز الابحاث ووسائل الاعلام تحدثت عن 48 في المئة لصالح "العدالة والتنمية"، في مقابل 36 في المئة فقط لـ"الشعب الجمهوري"، واحتمال حصول الحزب الحاكم على 47 مدينة من أصل 80. وستكون المنافسة صعبة في أكثر من 10 مدن انتقلت السيطرة فيها بين الأحزاب التركية أكثر من مرة، مثل أضنة ومانيسا وأوردو وإسبارطة. كما أن حزب "السلام والديموقراطية" الكردي يريد أن يحصّن مواقعه في مدن جنوب شرق البلاد، ويحاول الفوز في مدن عصت عليه حتى اليوم، مثل ماردين وأورفة، بينما يسعى "الشعب الجمهوري" بقوة للاستمرار في الاحتفاظ بمدينة أنطاليا في ظل احتمالات استردادها من قبل العدالة والتنمية.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تزال تمنح "الشعب الجمهوري" التقدم في مدينة أزمير، إلا أن النسب تبدو متقاربة أكثر هذه المرة، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للحزب في معقله الاساسي.

بدوره، أعلن الحزب الحاكم أن نتائج 4 استطلاعات أجرتها شركات استطلاع الرأي العام، أظهرت أن نسبة دعمه تبلغ حوالي 52 في المئة، وهو ما يعني، إنْ صَدقت هذه النسب، عدم تأثّر شعبية الحزب بالتظاهرات في أنحاء تركيا في حزيران/ يونيو الماضي، ولا بقضايا الفساد التي يتم التحقيق فيها حالياً.

المساهمون