تركيا: مواجهة مفتوحة بين الحكومة والمعارضة

تركيا: مواجهة مفتوحة بين الحكومة والمعارضة

29 مايو 2014

تركية تطالع صحيفة الزمان التابعة لحركة غولن(يناير 2007 أ.ف.ب)

+ الخط -
يقول لي مصطفى، وهو يأخذ شيئاً من صحن الحمص بكسرة خبز عربي، في أحد أفخم مطاعم اسطنبول التي تفخر بتقديم الوجبات العربية، إنه كان منتمياً لحزب الشعب الجمهوري، (أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، على أنقاض الدولة العثمانية)، وتركه لينضم إلى حزب العدالة والتنمية، بزعامة رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان. سألته عمّا دفعه إلى خطوته هذه، وهو رجل أعمال كبير، ولديه مصنع نسيج يزوّد تجاراً صينيين بمنسوجاته، ليصنعوها، ويعيدون تصديرها إلى الدول العربية، فقال لي إن انضمامه لحزب العدالة، يوفر له مساحة كبيرة من "الدعم" الشخصي والعملي. وقال، أيضاً، إنه انضم للحزب قبل الانتخابات البلدية، لكي لا يُقال إنه لحق بالركب بعد النجاح، وليثبت للحزب أنه كان معه وهو يخوض معركته الفاصلة تلك. سألته عن معنى "الدعم" الذي يوفره الحزب الحاكم لأعضائه، فقال لي صراحةً إنه سعى إلى نقل إحدى قريباته من مستشفى تعمل فيه، يبعد عن منزلها كثيراً، إلى مستشفى قريب، وتم له ذلك بيسر، ولم يكن ليحظى بهذه السهولة في إجراء كهذا، لو لم يكن عضواً في الحزب!
ويفخر مصطفى، كأتراك كثيرين، بأنه يعرف بضع كلمات عربية، يلفظها بمنتهى الصعوبة، إلا أنني حينما سألته عن معنى لوحة معلقة على جدار المطعم، تحمل عبارة البسملة بالحرف "العثماني" كما يسمونه في اسطنبول، لم يعرف معناها، وعلى الرغم من هذا، لم يكن بإمكانك أن ترى هذا الحرف العربي في اسطنبول، قبل سنوات قليلة، إلا أنه، الآن، ينتشر بشكل متزايد، على لافتات المحلات التي تقدم مأكولات عربية، أو تقدم خدمات أخرى كمنازل للإيجار، أو خدمات سياحة وسفر.

تشكل حالة مصطفى، الذي يتباهى بأنه زار سورية ومصر، وتعلّم بضع كلمات عربية، حالة مقاربة للتنافس الذي تبديه الحكومة والمعارضة في تركيا على الوصول إلى قلوب العرب، بتعزيز وسائل التواصل الإعلامي مع الجمهور العربي، سواء في تركيا أو في الوطن العربي، وربما يعدّ إنشاء القسم العربي في وكالة الأناضول للأنباء نموذجاً حياً لهذا الأمر، وهو ما أغرى الكيانات المعارضة للتسابق إلى إنشاء "أقسامها" العربية، للوصول إلى قلوب العرب، بعدما نجحت وكالة الأنباء الرسمية باحتلال مكانة مرموقة لها وسط الجمهور العربي، ووسائل الإعلام العربية، وصارت تنافس بقوة أكثر وكالات الأنباء الغربية عراقة. ولئن كانت وكالة الأناضول غير تابعة رسمياً للحزب الحاكم، وتحاول أن تعرض وجهات نظر كل ألوان الطيف السياسي التركي، إلا أن الخبر "الرسمي"، المعبّر عن توجهات هذا الحزب، يحظى بمكانة رفيعة، ما دفع المعارضة إلى إعادة موضعة نفسها للمعركة التالية، والتي يبدو أنها ستكون إعلامية بامتياز.


هنا، نلاحظ كيف تم توسيع قاعدة العاملين في القسم العربي في وكالة "جيهان"، التابعة لحركة فتح الله غولن، "الخدمة"، من شخصين إلى نحو سبعة، مع خطط لتوسيعه أكثر، كما أن صحيفة "زمان"، وهي، أيضاً، تابعة للحركة، أعلنت عن نيتها استحداث موقع إلكتروني بالعربية، وبدأت التعاقد مع صحافيين عرب لهذه الغاية. إلى ذلك، نلحظ أن الحزب الحاكم بدأ هو الآخر بإعادة ترتيب بيته الإعلامي، بإجراء مناقلات في الوظائف العليا في المؤسسات الإعلامية، لتعزيز جبهة الإعلام، وهنا، لا بد أيضاً من الإشارة إلى موقع مؤسسة "يني شفق" الإعلامية، أي "الشفق الجديد"، المقرّبة جداً من حكومة أردوغان، (ابن مالكها زوج ابنة أردوغان)، أطلقت موقعاً بالاسم نفسه بالعربية، يؤيد الحكومة، ويناهض حركة الخدمة بالمطلق!

ولا تقتصر المواجهة بين الحكومة والمعارضة على جبهة الإعلام، بل يبدو أن المرحلة المقبلة في تركيا ستشهد مزيداً من المواجهة بين الحليفين السابقين، أردوغان وغولن، فقد أعطت الحكومة مهلة جديدة، تمتد ستة أشهر أخرى لمدارس "الخدمة"، لتسوية أوضاعها قانونياً، تحت طائلة اتخاذ إجراءات صارمة ضدها. كما أصدرت حكومة أردوغان تعليمات للممثليات التركية في الخارج بإلغاء التعميم الصادر عام 2003 الذي وقعه وزير الخارجية حينها، عبد الله غول، ويتضمن التعاون مع جماعة غولن، وتقديم كل أنواع الدعم لمدارسه في الخارج. وجاء إلغاء التعميم بعد مرور 11 عاماً على إصداره!

وتتخذ المواجهة بين الحكومة وحركة الخدمة أشكالاً أكثر شراسة، فقد فوجئ طلاب الإقامة الدائمة في تركيا من الأجانب بأن عملية استخراج بطاقة الإقامة لا تستمر أكثر من ثمان وأربعين ساعة، وتجري تعبئة طلب بهذا الخصوص عبر الإنترنت. وقد مررت شخصياً بهذه التجربة، فلم تستغرق عملية الحصول على الإقامة غير ساعات، فيما كانت تستغرق من قبل عدة أشهر، والسر هنا أن حكومة أردوغان كفّت يد الأجهزة الأمنية عبر تشريعات جديدة، عن منح تأشيرات العمل لغير الأتراك، وجعلت وزارة العمل الجهة المختصة بالتعامل مع طلاب الإقامة، وكان هذا من اختصاص الجهات الأمنية التي تتمتع حركة الخدمة بنفوذ واسع فيها، ما يعني أن هناك عملية ممنهجة لتقليص دور الحركة في المشهد التركي، وقد قيل، نقلاً عن بعض أفراد هذه الحركة العاملين في أجهزة الأمن، إنهم كانوا يعمدون إلى التعامل بخشونة مع الأجانب لإعطاء صورة غير سارة للدولة التركية في نفوسهم، ما ينعكس سلباً على صورة حكومة يسيطر عليها حزب أردوغان!

المواجهة بين أردوغان ومعارضيه مستمرة، ومع هذا، يكتسب الرجل مزيداً من الأنصار والمؤيدين، وحالة مصطفى، رجل الأعمال التركي، واحدة من آلاف مشابهة، فالناس يجرون نحو مصالحهم، وما دام أردوغان يحقق المزيد منها، صغرت أم كبرت، فسيحظى بمزيد من التأييد!
 
A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن