ترامب يستأنف مهرجاناته الانتخابية على وقع المجازفة وتأجيج التأزم

ترامب يستأنف مهرجاناته الانتخابية على وقع المجازفة وتأجيج التأزم العنصري

20 يونيو 2020
حظوظ ترامب الانتخابية تتضاءل (بريندان سميالوفسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

يقيم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اليوم السبت، أول مهرجان انتخابي لحشد أنصاره استعداداً لانتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الرئاسية، وذلك بعد انقطاع دام أكثر من مئة يوم، فرضته الظروف الطارئة المرتبطة بتطويق انتشار فيروس كورونا.
وأصرّ ترامب على أن تكون الفعالية كالمعتاد في مكان يتسع لنحو عشرين ألف شخص ومن دون كمامات، رغم التحذيرات الطبية من خطر انتقال عدوى كورونا في الأمكنة المزدحمة، خاصة أن مكان المهرجان يشهد موجة صاعدة للفيروس.


ليس هذا فحسب، بل اختار ترامب للحدث مدينة تولسا في ولاية أوكلاهوما، التي شهدت واحدة من أبشع المجازر العرقية بحق السود في أميركا في 31 مايو/ أيار عام 1921 التي أودت بـ300 شخص من ذوي البشرة السوداء.
التوقيت أثار الكثير من الاعتراضات والاحتجاجات، بل المخاوف من تفاقم الأزمة العنصرية، لتزامنه مع ذكرى 19 يونيو/ حزيران 1865 التاريخ الذي يعتبره عدد كبير من الأميركيين من أصول أفريقية، يوم انعتاقهم من العبودية، ويحتفلون فيه كل سنة، بيوم سموه Juneteenth. لكن البيت الأبيض تمسك بالمكان، ولو أنه نقل موعد المهرجان من الجمعة إلى اليوم السبت. لكن الرمزية بقيت بكل ما حملته من التحدي الضمني في لحظة يلتهب فيها الجرح العنصري من جديد، إثر مقتل جورج فلويد الأسود خنقاً تحت ركبة شرطي أبيض قبل 3 أسابيع في مدينة مينيابوليس، والأحداث التي رافقت ذلك.
بذلك تحولت تولسا إلى ساحة مواجهة سياسية، حيث من المتوقع أن تشهد نشاطات لأنصار ترامب وخصومه، وسط أجواء متوترة. وثمة تخوف من وقوع عنف، حذر الرئيس من احتمالاته وعواقب انفلاته. وسبق ذلك حملة لإزالة النصب التذكارية لمشاهير ضباط الانفصال الكونفيدرالي الجنوبي في الحرب الأهلية الذين قاتلوا للإبقاء على العبودية والذين يعترض الرئيس على محاولات محو ذكرهم. آخر عملية من هذا النوع حصلت ليلة الجمعة، حيث حُطِّم وأُحرق أحد هذه النصب في إحدى ساحات واشنطن.
ووسط هذا المناخ العنصري المأزوم، تجري العودة إلى الحملة الانتخابية، على الأقل من جانب الرئيس حتى الآن. وضعه الانتخابي الصعب يدفعه إلى المجازفة الصحية في تولسا، آملاً تحسين حظوظه بالفوز بولاية رئاسية ثانية، على حساب غريمه عن الحزب الديمقراطي، جو بايدن.


وحسب استطلاع لنيات التصويت نشرت نتائجه الخميس وأجرته شبكة "فوكس نيوز" المحسوبة على ترامب، يتقدم بايدن بـ 12 نقطة على الرئيس. فارق كبير استلزم اقتحام ترامب المبكر للساحة، ولو تحت خطر كورونا، على الأقل لشدّ عصب قاعدته، خصوصاً في الولايات الوسطى الشمالية الحاسمة التي بدأ رصيده فيها بالتراجع الملحوظ بنتيجة آثار الأزمة الصحية – الاقتصادية – العنصرية، وخاصة الأخيرة لناحية تعامله مع تداعيات مقتل فلويد التي سببت له خسائر كان بغنىً عنها، وبالتحديد تصادمه المكشوف مع وزارة الدفاع (البنتاغون) ومجموعة بارزة من كبار الجنرالات المتقاعدين ومئات المسؤولين الأمنيين السابقين، حول إلحاحه على الزجّ بالقوات المسلحة في المواجهة مع الشارع ورفض العسكر لطلبه.
خسارة كان بوسع ترامب اجتنابها. ثم جاءت التسريبات من كتاب مستشاره السابق في الأمن القومي، جون بولتون، قبل يومين ليزيد من متاعبه وينعش علامات الاستفهام الكثيرة التي راكمتها الممارسات غير المناسبة التي ما زالت تتوالى. فمهرجان تولسا مغامرة صحية، وفق إجماع الجهات الطبية، حتى إن بعض المسؤولين في الولاية والمدينة توسلوا تأجيل المهرجان الذي لا أرباح انتخابية مباشرة منه، على اعتبار أن الولاية شبه مضمونة أصلاً في التصويت له. وهو أيضاً مجازفة لجهة أن الرئيس الأميركي ساهم في تأجيج التأزم العنصري الذي فاض عن ماعونه، بعد أكثر من 200 سنة عبودية، (لغاية 1865) و100 سنة تمييز عنصري (لغاية 1965) و55 سنة حتى الآن من استمرار التفاوت، خاصة في تعامل الشرطة مع السود.


واقع تعترف به غالبية النخب الأميركية علناً، وتعتبره "وصمة عار" في التاريخ الأميركي. وحتى عتاة المحافظين في الكونغرس لا ينكرون ذلك، مع الإعراب عن الرغبة في استصدار تشريعات تضع حداً لهذه العلة التي تنفجر بين الحين والآخر، وتحدث خضّة لا تلبث أن تتلاشى لتعود وتنفجر من جديد بعد الحادثة التالية. بيد أن انفجارها جاء هذه المرة بصورة هادرة وبالترافق مع أزمات عاتية عشية انتخابات تحوم فوقها غيوم داكنة.

المساهمون