تراجع التحرير قبل تراجع الاحتلال

تراجع التحرير قبل تراجع الاحتلال

19 يوليو 2015
خان يونس، 24 أكتوبر 2000 (تصوير: توماس كوكس)
+ الخط -

لم تمض عشر سنوات على إنشائها حتى بدأت الدعوات إلى إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية التي أسستها الجامعة العربية منتصف ستينيات القرن الماضي، فبعد طرح البرنامج المرحلي، واعتراف مؤتمر الرباط عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثّلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني؛ حتى بدأت الأصوات الداعية إلى تصحيح النظم القائمة بما يتلاءم مع متطلبات الوضع الجديد، سواء على المستوى الإقليمي أو حتى على المستوى الدولي .

لكنّ حركة الإصلاح لم تواكب تسارع حركة الشعب الفلسطيني واحتياجاته، فالمحطات كانت كثيرة، وفي كل واحدة منها، كانت التساؤلات تكرّر نفسها في سياق القول بإجراء "عملية إصلاح".

تزامن ذلك مع ضغوط تعرضت لها المنظمة، لتطويعها تارة، ولعزلها تارة أخرى، بهدف خفض سقف مطالبها، باعتبارها ممثلاً لطموحات الشعب الفلسطيني. ولكنّ طبيعة المؤسسة القائمة، والتي لم تحدث التغييرات المطلوبة بتغيير السياسات -في إطار المرحلية وجملة أزمانها- أدت أكثر إلى إضعاف منظمة التحرير.

وصولا إلى المحطة الأبرز بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما تم الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل والذي أفضى إلى إنشاء "السلطة الوطنية الفلسطينية" كنتاج لهذا التاريخ. هنا تعرضت المنظمة للهزة الأكبر خلال العقود الثلاثة في تاريخها، وتمثل ذلك في مسألتين، الأولى: أنّ حجم ما تمخض عنه الاتفاق، أقلّ مما قدمته المنظمة من تضحيات في كل معاركها الممتدة على مساحة الإقليم.

والثانية: أنّ السلطة صارت بديلاص من المنظمة، فقد أُحيلت للأولى معظم صلاحيات الثانية، سواء بتمثيل الفلسطينيين -على الرغم من الاعتراف بالمنظمة كممثل لهم- أو في الاستيلاء على صلاحيات المنظمة (القرار السياسي، العلاقات الخارجية، المفاوضات) والأهم: المال. ذلك أنّ المنظمة تعرضت لحصار مالي أفرغ خزائنها.

منذ أكثر من عقدين وحضور المنظمة آخذ في التراجع لأسباب عديدة. بعضها خارجية، كرغبة كثير من الأطراف بإنهائها (كحركة تحرر وطني ضد الاحتلال) في ظل ما يفرضه مشروع التسوية والتفاوض. ومنها أسباب داخلية، يمكن ردها إلى التالي:

- تراجع الدور الوظيفي للمنظمة. إذ حلت مؤسسات بديلة مكانها، وانتزعت منها دورها.

- تراجع مدخولات منظمة التحرير إلى الحد الذي أصبحت تعتمد فيه على ما تقتطعه (لبعض الأنشطة والفعاليات) من ميزانيات السلطة الفلسطينية.

- التمسك بشكل التركيب الحالي، سواء من حيث التعيين الذي كان يجري بالتقاسم بين الفصائل (بعيداً عن السماح للشعب بانتخاب ممثليه). فعلى الأقل يمكن إجراء انتخابات لممثلي المنظمة في الأراضي الفلسطينية أو يمكن إعادة النظر في بقاء فصائلٍ تراجع حضورها تماماً، في حين تقدمت فصائل - ذات حضور قوي- مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي. ومع ذلك لم تمثل، حتى اللحظة، في المنظمة.

- تراجع الاهتمام بمؤسسات المنظمة، مثل المجلس الوطني أو المجلس المركزي. حيث أدّى ابتعادها عن مركز القرار إلى تراجع الاتحادات والنقابات التي كانت يوماً ما، الأداة الأبرز للمنظمة.

وهكذا دخلت منظمة التحرير مرحلة الجمود والتهميش الذاتي والموضوعي. بينما أصبحت الدعوات المطروحة منذ عقود، كأنها جزء من التراث المصاحب لهذه المؤسسة التي ملأت العالم ضجيجاً ذات يوم. إنها بحاجة لإصلاح حقّاً، ليس من أجل مؤسساتها، بل لأنّ الاحتلال ما يزال قائماً، ولأنّها مناطة بالتحرير.


(باحث ومحلل سياسي فلسطيني/ غزة)

المساهمون