تدمر بين إله الإنسان والآثار

تدمر بين إله الإنسان والآثار

01 يوليو 2015
+ الخط -
لم يكترث المسؤولون عن وقف نزيف الدم في سورية؛ أكثر من اهتمامهم لما حصل في التراث السوري؛ وكلاهما لم يُنتج أمراً حاسماً للمساهمة في ردّ الأذى الذي بات روتينياً في هدر الانسان والبلاد. وسط صحراء البادية وعجاجها، تدمر، المدينة التي حفر التاريخ فيها أساطير من عاشوا فيها، ودفنوا تحت ترابها بصمتٍ مرعب، التائهون بين الحياة والموت.
المدينة السورية بحضارة وتاريخ لا يُنسى، نسيها حاكمها اليوم، بعد أن كانت مشهورة بسجنها المركزي الذي يعد الأسوأ في المنطقة العربية والعالم، كان مستودعاً بشرياً للقيام بأفظع الجرائم، كالمجزرة الكبرى في سجنها التي قامت بها سرايا الدفاع أوائل الثمانينيات، وراح ضحيتها بين 600 و1000 قتيل، وقالت مصادر دولية إن العدد تجاوز 1200 قتيل.
تركت الحضارة، الآن، بين السماء والطارق، إلى حيث مصيرها الأسود، ذي شعار "لا إله إلا الله".
ثار العالم، عنونت مانشيتات الصحف كارثة " بالميرا"، وغضب المعنيون بالآثار وبالتراث الدوليون ألف مرة؛ قبل أن تدخلها "داعش"، ونددوا واعترضوا وشجبوا بكل الوسائل المكتوبة والمرئية والمسموعة، ولم يدركوا أن لا حماية للآثار، قبل حماية الإنسان السوري.
تحت رحمة المتطرفين، التاريخ السوري تحت رحمة من لم يرحم، ذكرى أول ملكة هزت عروش العالم، وأعلنت الشام مركزاً للكون. تحت رحمتهم، يحتضر التراث والتاريخ ويذهب التراث هباء في الهواء، كـما البشر الذين رحلوا، بسبب إجرام النظام.
لكن، مهلاً، ماتت زنوبيا، مات كل من كانوا معها، حتى عظامهم لم يبق منها شيء، ويغيب عند أول عاصفة رملية شيء من معالم الآثار تلك. لكن، لم يغب يوماً ذاك الإنسان في تدمر.
الابتعاد قليلاً عن الآثار لرؤية تدمر، تدمر اليوم المدينة الحقيقية التي لم يتذكرها أحد، بتعداد سكان تجاوز 50 ألفاَ؛ بالاضافة إلى قرى متفرقة يصل تعدادها إلى 150 ألف إنسان. لم يموتوا، لم يصبحوا آثاراً، لم ترمم عظامهم، لم يعيشوا مع زنوبيا، ولا يدري العالم شيئاً عنهم. فقط عن اسم المنطقة، تدمر وما حول أحرفها من تاريخ.
دخلت "داعش"، وقالوا إن المدينة أصبحت خالية، لم يقصدوا خالية من الناس، بل قصدوا أنهم حفظوا الآثار والقطع النادرة وجعلوها بحوزتهم، ومن يحفظ الإنسان فيها إذاً؟ قالوا إن جهوداً فائقة بذلت، حتى تحافظ الأحجار عند نقلها، على شكلها الأصلي، من نقل أبنائها.. إذاً؟ وقالوا مات أناس للدفاع عن الأحجار، من بقي ليدافع عن النساء والأطفال.. إذاً؟
تُركت المدينة بسكانها وحدها، وحين دخلتها "داعش"، بدأ النظام حمايتها، قصف بيوتها، والمدنيين فيها، قتل أبناءها، وقال عنهم إنهم إرهابيون، ويقتلهم ليحمي آثارهم.
كم نفيت إنسانيتهم لأنهم تدمريون، لأنهم ينتمون إلى الحضارة القديمة، ولأنهم من معّشر التاريخ، اكتشفوا الآن أن أبرز بلاءين ابتلوا بهما، سجن لا خارج منه، وآثار أصبحوا معها نكرة.
لآلاف السنين، حمى إله تدمر (بعل) ما تبقّى منها بعد وفاتها، وفي ظرف كالذي تمرّ به المدينة الإنسانية، يسأل الإنسان فيها: هل سيحمي الله.. إنساننا؟


avata
avata
محمد عاطف حسن (سورية)
محمد عاطف حسن (سورية)