تحشيدات عسكرية قرب سرت: للمعركة أم استعدادا لمرحلة ما بعد التسوية؟

تحشيدات عسكرية قرب سرت: للمعركة أم استعدادا لمرحلة ما بعد التسوية؟

16 يوليو 2020
محاولات لتهدئة الأوضاع في مناطق وسط ليبيا (جون مور/Getty)
+ الخط -

لا يزال قطاع سرت– الجفرة يشهد تحشيدا عسكريا وتوترا مكتوما، في ظل تصعيد من قبل طرفي الصراع في ليبيا، ومن ورائهما أطراف إقليمية داعمة لهما، فيما سربت مصادر ليبية إمكانية أن تطاول العقوبات الأميركية شخصية ليبية رفيعة تقيم في مصر على خلفية تورطه في تمويل مرتزقة  "الفاغنر" الروس.

 

ورغم الاتصالات الكثيفة التي تجري في عواصم كبرى على صلة بالملف الليبي لتهدئة الأوضاع في مناطق وسط ليبيا، للحد من انجرافها في اتجاه صدام مسلح، خصوصا أن المنطقة تشرف على مناطق النفط الاستراتيجية بالنسبة للكثير من الدول المتدخلة في ليبيا، إلا أن التحشيد العسكري بات مثيرا للخوف، بحسب مصادر ليبية.

وكشفت المصادر الليبية، برلمانية من طبرق وحكومية من طرابلس، أن مدينتي مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، وأجدابيا ( 150 كلم غرب بنغازي ) باتتا من النقاط الأكثر أهمية بالنسبة لطرفي الصراع، حيث تركز الاهتمام الأمني المصري على الأولى، بينما تركز الاهتمام التركي على الثانية.

وأفصحت المصادر عن وصول فريق من ضباط مصريين إلى معسكر لملودة قبل تحولهم إلى معسكرات بمدينة أجدابيا، وتحديدا معسكر الحنية، جنوب غرب المدينة، وهم بصدد إجراء عدة مسوحات للمنطقة لتكون مرتكزا للقوات المصرية في حال تدخلها في ليبيا، وتشمل تلك المسوحات إمكانية الاستفادة من المهابط الجوية في حقول النفط، وعلى رأسها مهبط راس الأنوف بمنطقة الهلال النفطي.

ولقاء الاستعدادات المصرية العسكرية في أجدابيا، يبدو الدعم التركي لقوات حكومة الوفاق يتخذ من مصراتة قاعدة انطلاق له للإعداد لمعركة السيطرة على مدينة سرت، سيما الكلية الجوية التي تتوفر على إمكانيات عسكرية جعلها هدفا للطيران الإماراتي المسير الداعم لمليشيات خليفة حفتر إبان عدوانها على طرابلس.

 

تبادل الرسائل بين العواصم

وعلى الرغم من كل هذا التحشيد والتوتر، إلا أن خبراء في الشأن الليبي لا يزالون يؤكدون أن القاهرة لن تتورط في ظل الظروف التي تعيشها في مواجهة عسكرية داخل ليبيا.

وقال الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، إن "القاهرة موجودة إلى جانب حفتر منذ سنين، ورغم ذلك فلن تجازف في التورط بتدخل مباشر في ليبيا، خصوصا في ظروفها الضاغطة بسبب أزمة سد النهضة".

ووصل إلى القاهرة، أمس، وفد يضم شخصيات وزعامات قبلية من شرق ليبيا، لمنح القوات المصرية تفويضا للتدخل في ليبيا بعد تفويضه من قبل مجلس النواب المجتمع بطبرق، ما اعتبره البرق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "مؤشر كبير يؤكد أن حفتر بات رقما هامشيا في مشهد ليبيا، وأن القبائل الليبية وبرلمان طبرق لم يعودا يعولان عليه في شيء".

على الرغم من كل هذا التحشيد والتوتر، إلا أن خبراء في الشأن الليبي لا يزالون يؤكدون أن القاهرة لن تتورط في ظل الظروف التي تعيشها في مواجهة عسكرية داخل ليبيا 

ومن جانب آخر، لا يرجح البرق أن "تتجاوب القاهرة مع مطالب مجلس النواب بطبرق والشخصيات القبلية بأكثر من الوعود دون تنفيذ، وفي أكثر الأحوال ربما تدرب بعض المجموعات المسلحة القبلية التي تقوم بإغلاق المنشآت النفطية".

كما يعتقد الباحث الليبي أن إرسال القاهرة لفرق استطلاع وخبراء أمر له هدفان، الأول "تجاوب مع ضغوط حلفاء حفتر، سيما الإمارات، التي لا تزال تصر على دعم حفتر، والثاني تمركزها في أجدابيا، ويعني أنها ترسل رسالة تهديد مباشرة وقوية لقوات "الوفاق" ومن ورائها تركيا، تفيد بأن لديها القدرة على الوصول مبكرا إلى أراضي النفط إذا ما تقدمت قوات "الوفاق" باتجاه سرت".

وفي الجانب الآخر، يبدو استعداد قوات حكومة الوفاق وتحشيداتها كبيرة، ما يشير إلى إصرارها على انتزاع قطاع سرت– الجفرة، في الوقت الذي لا تزال الاتصالات الدولية كثيفة في هذا الشأن.

وأوضح الخبير الأمني الليبي، محيي الدين زكري، أن "هناك تهويلا إعلاميا كبيرا" بشأن أهمية المنطقة عسكريا، معتبرا أن "أهميتها لا تتجاوز الجانب الاستراتيجي المتعلق بالنفط".

وأشار زكري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن سرت منطقة يرتبط أمنها بقاعدة الجفرة المنوط بها تأمين كامل أجواء منطقة وسط ليبيا من الشمال وحتى منتصف الجنوب.

ولفت زكري إلى أن سرت لا تحتاج كل هذا التحشيد، وقال: "المدينة سقطت في ظرف ساعات عند احتلال مليشيات حفتر لها في يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي عام 2011 كذلك"، لافتا الى أن تحولها لمنطقة تماس وتحشيدات عسكرية على تخومها بسبب موقعها الاستراتيجي المشرف على مناطق النفط.

وموقعها المشرف على مناطق النفط "جعلها منطقة اشتباك المصالح وتعقد المواقف الدولية"، بحسب المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، مرجحا أن يكون التحشيد العسكري في أجدابيا ومصراتة "على علاقة بمرحلة ما بعد تسوية أوضاع المنطقتين، بل إن التحشيد الحالي عامل مهم يدفع المجتمع الدولي إلى إعلانها منطقة خالية من السلاح وفاصلا بين القوتين".

ولا يرجح ذويب، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن تشهد سرت حربا، موضحا أن بقاءها والقطاع الصحراوي المرتبط بها إلى الجنوب، بما فيه قاعدة الجفرة، خالية من أي سلاح سيضمن لكل الأطراف، وليس الجانب المصري والتركي فقط، بقاء مصالحهما المرتبطة بالنفط والغاز، مشيرا إلى أن "هذا الأمر هو ما يدور الجدل بشأنه في تلك العواصم التي تشهد اتصالات كثيفة ببعضها".​

 

عقوبات أميركية

إلى ذلك، لفتت مصادر ليبية حكومية من طرابلس، تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى معلومات متداولة في أوساط ليبية بشأن عقوبات جديدة ستفرضها وزارة الخزانة الأميركية على أحمد قذاف الدم، أحد أهم رموز نظام معمر القذافي، والمقيم في القاهرة، لتورطه في تمويل جزء من عمليات فاغنر الروسية في ليبيا.

ويرى البرق في إمكانية إدراج قذاف الدم على لائحة العقوبات الأميركية رسالة غير مباشرة إلى القاهرة التي تحتضن الرجل الداعم للوجود الروسي المقلق للجانب الأميركي.