تحريض فالس ضد "إخوان" فرنسا يكشف فشل "الإسلام الرسمي"

تحريض فالس ضد "إخوان" فرنسا يكشف فشل "الإسلام الرسمي"

12 فبراير 2015
فالس هاجم "الإخوان المسلمين" في تصريحاته (getty)
+ الخط -
ركّزت الردود الرسمية الفرنسية بعد اعتداءات يناير/كانون الثاني 2015 (صحيفة "شارلي إيبدو") على مطالبة الجالية الإسلامية في فرنسا بإعلان مواقفها إزاء ما حدث، ولم تكن المعالجات التي قُدّمت حتى اللحظة إلا أمنية، عبر إجراءات محاربة الإرهاب وتقوية ترسانة القوانين الزجرية والقمعية.


تحدث الرئيس فرانسوا هولاند عن الضواحي، وعن صندوق تنمية جديد، وسياسة مستقبلية تتمثل في خلط جديد للطبقات الاجتماعية. وتلقَّفَ رئيس الحكومة مانويل فالس الأمر فأعلن أن "الأبارتهايد" الذي قصده لم يكن بالمعنى الجنوب أفريقي، وإنما بمعنى "الغيتو"، ووَعَد بـ "فعل كل ما يستطيع" من أجل كسر الغيتوات في فرنسا. وذكر البؤس السائد في الأحياء الشعبية والضواحي، وقال: "منذ ثلاثين سنة نحن نعمل على كسر الغيتوات، كل الحكومات فعلت ذلك بإرادة طيبة. ولكننا نشعر اليوم، أنه يحب الانتقال إلى مستوى آخَر، وإلا فإن كل شيء سينفجر، وبشكل خاص، في هذه الأحياء".
وتقرّ السلطة السياسية الفرنسية المتعاقبة، من جان بيار شوفينمان، وزير الداخلية الأسبق، إلى مانويل فالس مروراً بنيكولا ساركوزي، أنّها فشلت في احتواء مسلميها، وحتى التمثيلية التي فرضتها عليهم، ثبت أنها لا تعكس التمثيل الحقيقي، وأنها مجرد ديكور يستخدم في كل استحقاق ومناسبة من قبل الحكومة الفرنسية. وإذا كانت الحكومة تعترف بأنها فشلت، خلال ثلاثين عاماً، في إدماج مسلميها في نسيجها الاجتماعي، فإنها أيضاً فشلت في المساعدة على ظهور إسلام فرنسي، يتلاءم مع قوانين ومبادئ الجمهورية الفرنسية.

أكثر من ذلك، ساهمت تصريحاتها العنصرية والنارية والتهديدات المبطنة لمسلمي فرنسا في زيادة الاحتقان الاجتماعي وتعقيد المشكلة. وفي هذا الإطار جاءت تصريحات فالس، الذي يعود إلى أصول إسبانية.

وفي لقاء مع راديو "أوروبا 1"، قال فالس من دون مناورة إنه "يجب محاربة خطاب "الإخوان المسلمين" في بلدنا، إضافة إلى المجموعات السلفية في الأحياء". ونصّب فالس، من نفسه وصيّاً على المسلمين، حين أضاف "يجب علينا مساعدة المسلمين الذين لا يريدون أن يتم خلطهم مع هذه الخطابات. ليس فقط مع الجهاديين، والإرهابيين، ولكن أيضاً مع الأصولية والمحافظة الدينية والراديكالية".

كيف سيحاربهم فالس؟ يقول "بواسطة القانون والشرطة وأجهزة الاستخبارات. كثير من الأشياء تم إنجازها". وخلص إلى أنه "لا يمكن لديانة ما أن تفرض خطابَهَا في أحيائنا".
لكن ما الذي يقصده مانويل فالس بـ "الإخوان المسلمين" في فرنسا؟ لقد خلطت العديد من المؤلفات الفرنسية التي تناولت حركة ونشاط "الإخوان المسلمين"، بين أفكار الرواد المؤسِّسين، كحسن البنَا وإخوانه، وبين من يُحسَب على أنهم من تلامذتهم، كالمفكر السويسري طارق رمضان والشيخ طارق أوبرو، إمام مسجد بوردو وغيرهما. وهذا الخلط جعل كارولين فوريست، التي يواظب الكثير من السياسيين الفرنسيين على قراءة مؤلفاتها حول الإسلام، أن تتحدث في إحدى مؤلفاتها عن طارق رمضان، عن الشيخ حسن البنّا في ما يقرب من مائة صفحة.

وعلى الأرجح أنّ رئيس الحكومة أثناء هجومه قصد بـ "الإخوان المسلمين" في فرنسا "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا"، وهو كما تشير التسمية ائتلاف عريض بين جمعيات إسلامية على التراب الفرنسي (250 جمعية معلنة)، قد تجد فيها شيوخا محافظين وأصوليين وآخرين ليبراليين ومنفتحين.
ويعود سبب العداء "الحاد" الذي أظهره مانويل فالس تجاه هذه المنظمة، كونها رفضت الانضواء في "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، الذي يعتبر أداة طيعة في أيدي السلطات الفرنسية، تحركها كما تشاء، وترفض أن تُجرى فيه انتخابات حقيقية كي لا تصل قيادة شابة، حريصة على خدمة إسلام فرنسي مستقل ومصالح مسلمي فرنسا، وترفض أن تكون حصيلة صفقات سياسية بين فرنسا ودول أجنبية (كتركيا والمغرب العربي ومشيخة الأزهر ودول الساحل والصحراء).
ورغم تصريحات فالس، لكن لا يمكن التشكيك في سلمية هذه المنظمة وفي استقلاليتها، ولا في طابعها الديني والدعوي والاجتماعي والثقافي والتربوي. وهي تحظى بشعبية متزايدة ساهم فيها ركود "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" وضعف تأثيره، وهو ما ظهر جلياً حين طُلِب منه تجنيد المسلمين والخروج في تظاهرات مع الرهينة الفرنسي الذي قتل في الجزائر. كما أن إشرافها على تنظيم أكبر لقاء سنوي لمسلمي فرنسا وأوروبا في منطقة لوبورجي بضواحي باريس (أكثر من 170 ألف زائر)، وإشرافها على إدارة أول ثانوية إسلامية خاصة في فرنسا (في مدينة ليل/شمال فرنسا)، يجعلها أقرب إلى تفهم هموم مسلمي فرنسا، من مجرد تمثيلهم في الاحتفالات الوطنية أو في لقاءات المصالحة، أمام شاشات التلفزيون، مع الطائفة اليهودية.

ولعلّ ما قاله المفكر طارق رمضان قبل عشرين عاماً، يعبّر عن طريقة تعامل السياسيين الفرنسيين مع مسلمي فرنسا، إذ كتب أن "الساسة الفرنسيين لا يريدون أن ينتخب مسلمو فرنسا ممثليهم، لأنهم، حينها، سيكونون أحراراً. إن هؤلاء السادة يريدون مسلمين ذيليين، فتنصّب عليهم شيوخاً لا يزالون يفكرون بعقلية مَن وصل توّاً إلى فرنسا كي يبحث عن شغل. تتناسى الحكومات الفرنسية أنها تعيش مع الجيل الثالث للهجرة، وهؤلاء لهم هموم أخرى تختلف عن هموم مَن فرضَتْهُم ممثلين على مسلمي فرنسا".
وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى الذي يتعرض فيه "اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا" للتجريح والانتقاد، فقد عبرت دولة عربية، قبل أشهر، عن موقف معاد لها تلقفه حزب "الجبهة الوطنية" العنصري فطالب الحكومة الفرنسية بحظره.

المساهمون