اختتمت الاجتماعات التشاورية بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ورئيس حكومته حسن علي خيري من جهة، ورؤساء الولايات الفدرالية من جهة ثانية، في مدينة طوسمريب وسط البلاد، أمس الأربعاء، دون التوصل إلى اتفاق سياسي لتحديد نموذج موحد للانتخابات بين الشركاء السياسيين.
ولم تسفر اللقاءات الجانبية التي خاضها فرماجو، منذ أسبوع، مع رؤساء الولايات الفدرالية لإقناعهم بتمديد فترة الحكومة وتمكينها من تنظيم انتخابات مباشرة، عن نتائج تذكر، وانتهت إلى طريق مسدود، حيث تمسَّك رؤساء الأقاليم الفدرالية بمواقفهم حول تنظيم انتخابات غير مباشرة في موعدها المحدد، مطلع فبراير/شباط 2021.
وفي نهاية المشاورات السياسية، مساء أمس الأربعاء، أصدرت الأطراف الصومالية بياناً مشتركاً أعربوا فيه عن مواصلة المشاورات السياسية، وتشكيل لجنة وزارة فنية تضم أعضاء من الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات الفدرالية، واستكمال ما تبقى من المشاورات، وعقد اجتماع ثالث في مدينة طوسمريب، في 15 أغسطس/ آب المقبل.
وشددوا، في البيان ذاته، على أهمية تنظيم انتخابات رئاسية في موعدها، لتعزيز وحدة وسيادة واستقرار البلاد، إلى جانب توطيد العلاقات بين الحكومة الفدرالية والولايات الفدرالية.
ويرى بعض المراقبين، أنّ عدم التوصل إلى اتفاق بين الشركاء السياسيين يوحي بوجود معضلة كبرى وبوادر أزمة سياسية تواجهها البلاد في المرحلة المقبلة، إذا لم يتم احتواء الخلافات على نحو عاجل بشأن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
ويوضح الصحافي الصومالي محمد عبدي الشيخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ "الفشل السياسي الذي يشهده الصومال حالياً، لم يكن وليد اللحظة بل كان متوقعاً بالنسبة لمعظم الصوماليين"، مشيراً إلى أنّ "هناك بوادر أزمة سياسية لتعطيل عمل المؤسسة التشريعية في البلاد".
ويشير عبدي الشيخ إلى أنّ ما يشهده الوضع الراهن، "لا يُعد سوى حلقة تجاذبات سياسية بين الرئيس الصومالي محمد فرماجو ورئيس الحكومة الصومالية حسن علي خيري، خاصة بعد ظهور طموحات للأخير بأن يصبح مرشحاً رئاسياً ويرى أنّ مصلحته تكمن في تنظيم انتخابات غير مباشرة على غرار سابقتها إبان فترة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود، بينما يرى فرماجو أنّ حظوظ فوزه تبقى قوية في إجراء انتخابات مباشرة وتمديد فترة رئاسته على الأقل لسنة واحدة".
وبحسب عبدي الشيخ، فإنّ "رؤساء الولايات الفدرالية يقفون إلى جانب رئيس الحكومة؛ حيث يعتقدون أنّ الانتخابات المباشرة تعني لهم سحب البساط من تحت أقدامهم، وإبعادهم من المشهد السياسي".
عبدي الشيخ: رؤساء الولايات الفدرالية يقفون إلى جانب رئيس الحكومة؛ حيث يعتقدون أن الانتخابات المباشرة تعني لهم سحب البساط من تحت أقدامهم
أما مدير "مركز مقديشو للبحوث والدراسات" عبدالرحمن عبدي، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ الاجتماعات في طوسمريب "عكست نضوجاً سياسياً بين الأطراف الصومالية، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل"، مضيفاً أنّ "الجميع بات أمام امتحان صعب يتمثل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه".
واعتبر عبدي أنّ "إحالة ملف الانتخابات إلى لجنة فنية مشتركة تقوم خلال الأيام المقبلة بصياغة نموذج انتخابي، دليل على وجود عقبات كبيرة تحتاج إلى مزيد من التشاور والتفاهم. رغم التفاهمات والاتفاقات التي جرت بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية في مؤتمر طوسمريب".
وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة مقديشو فرحان إسحاق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الفشل السياسي هو انعكاس لتصرفات الحكومة لمدة أربع سنوات تقريباً في الحكم، وعدم فتحها أبواب الحوار والتفاوض مع الشركاء السياسيين"، مضيفاً أنّ "الحكومة تبنت نهجاً عدوانياً ضد المعارضة السياسية، بدل أن تتصالح معها لحل الأزمات السياسية في البلاد".
ومع استمرار الخلافات السياسية بين الفرقاء الصوماليين، يتخوف البعض من حدوث فراغ دستوري، إذ تنتهي فترة الحكومة، أواخر العام الجاري، بينما تنتهي فترة الرئاسة، مطلع فبراير/ شباط المقبل، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق سياسي يحدد نموذجاً للانتخابات الرئاسية والتشريعية، فإنّ البلاد ستتجه نحو فراغ في السلطة، ما قد يفتح الباب أمام أزمات سياسية وأمنية.
لكن أستاذ العلوم السياسية فرحان إسحاق يشير إلى أن البرلمان سيواصل مهامه حتى بعد انتهاء فترة ولايته لتنظيم انتخابات رئاسية، وذلك للحؤول دون الانزلاق نحو أتون الفوضى السياسية والأمنية في البلاد.
البرلمان سيواصل مهامه حتى بعد انتهاء فترة ولايته لتنظيم انتخابات رئاسية
من جهتها، دعت الأحزاب السياسية المعارضة، في مؤتمر لها في مقديشو، إلى إجراء انتخابات رئاسية في موعدها، وقال الرئيس السابق حسن شيخ محمود إنّ منتدى الأحزاب السياسية "يرحب بالاجتماعات بين الأطراف السياسية".
وناشد بعدم حصر المشاورات السياسية بين أطراف محدودة، لتجنيب البلاد مزيداً من الفوضى.
وفي السياق، يرى مراقبون أنّ عدم تسوية الخلافات السياسية بين الحكومة والولايات الفدرالية، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تدخل إقليمي أو دولي لإنهاء المعضلة السياسية الراهنة. ويقول الصحافي محمد عبدي الشيخ، إنّ "الأمور ستؤول في النهاية إلى التدخل من الدول المعنية بالمشهد السياسي الصومالي وتكون لهم كلمة الفصل، لنزع فتيل الأزمة الراهنة".
أما أستاذ العلوم السياسية فرحان إسحاق، فيرى أنّ حل المعضلة الحالية "يكمن في التوصل للاتفاق على نموذج انتخابي غير مباشر، والعودة إلى نموذج انتخابات عام 2016 مع إضافات تشريعية وقانونية جديدة للحد من الأخطاء التي حدثت في الانتخابات الأخيرة".
بينما يرى مدير "مركز مقديشو للبحوث والدراسات" عبدالرحمن عبدي، أنّ "هناك تحديات كبيرة تتعلق بالإجراءات القانونية والفنية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خاتماً بالقول إنّ "الأيام المقبلة حبلى بمزيد من المفاجآت والتقلبات السياسية".
وبحسب المراقبين، فإنّ الحكومة أخفقت في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في موعدها، كما لم تفلح في إقناع الشركاء السياسيين في تأجيل الانتخابات وتمديد فترة حكمها، مما يؤدي إلى خلافات حادة ستهدد مستقبل استقرار الصومال، الذي عانى، منذ عقود، فشلاً سياسياً وأمنياً، بعد سقوط الدولة المركزية عام 1991.