برنار ليفي يتحسر على الشعب الكردي "الذي تعرض للخيانة"

برنار هنري ليفي يتحسر على الشعب الكردي "الذي تعرض للخيانة"

22 أكتوبر 2017
ليفي: الاستفتاء لن يكون متبوعاً بإعلان الاستقلال (Getty)
+ الخط -

نشرت صحيفة لوجورنال دي ديمانش، اليوم الأحد، مقالا طويلا للمفكر الفرنسي برنار هنري ليفي، بعنوان مثير: "من خان الشعب الكردي؟"

واعتبر ليفي أن ما حدث في كردستان العراق: "يتميز بحزن لانهائي". ورأى أن هذا الشعب الصغير "يجسد هذا الاستثناء في الشرق المُعقَّد، المنفتح على الكون، والمرحب بالأقليات والنصير للعلمانية ولمبدأ المُواطَنَة".

ثم يُعرّج لمديح صديقه القديم، رئيس الإقليم مسعود البارزاني: "الزعيم التاريخي، الذي رأى أن المحنة دامت وأن البشمركة أخذوا نصيبَهم في الانتصار على البربرية". وللدفاع عنه: "لقد حرص على التأكيد على أن الاستفتاء ستكون له قيمة استشارية، وسيفتح الطريق أمام الحوار مع بغداد، ولن يكون بأي حال متبوعا بإعلان الاستقلال".

ثم ينتقد ليفي "الأمم الصديقة" لكردستان، التي، إما أنها انتقدت التوقيت وإما أنها طلبت انتظار نهاية الحرب ضد داعش، أو انتظار الانتخابات العامة في العراق سنة 2018، قبل أن يقول بمرارة: "إذا كانوا، أي الأكراد، جيّدين لاستخدامهم درعاً لباقي العالَم، فإنهم ليسوا جيّدين للتصويت على مصير أبنائهم".

وكشف أن أميركا والعواصم الغربية رفضت الاستفتاء الكردي، وقارنته، بنِيَةٍ سيئة، بقضية كتالونيا: "كما لو أن بغداد هي مدريد. كما لو بالإمكان تشبيه شعب حقيقي يريد أن يتحرر من بلد مُزيَّف يضطهده منذ قرن، بكتالونيا، الجزء الذي لا يتجزأ من دولة حقيقية، ديمقراطية بشكل كامل، وهي إسبانيا".

ويصف أجواء الاستفتاء بـأنها كانت شفافة ومثالية، و"لكن مجموعة الديمقراطيات، باستثناء إسرائيل، دانت ما اعتبرته ضربة لوحدة العراق وسيادته واستقراره. كما لو أن بلد صدام حسين، ثم حرب عائلة بوش، والذي أصبح تحت سلطة إيران، لم يكن مسرحا لحرب أهلية لا تنتهي، خاصة، بين السنة والشيعة".

ويعترف ليفي أنه كان متواجدا في كردستان أثناء الاستفتاء، وأن الردّ العسكري العراقي بدأ في اليوم التالي، 26 سبتمبر/أيلول، حين سمحت أميركا بتحرك دبابات الجيش العراقي من نوع أبرامز وهامفي. في الوقت الذي حُرم فيه الأكراد من السلاح الثقيل ومن مضادات الدبابات.

ثم ينتقل برنار هنري ليفي إلى سقوط كركوك في أيدي الجيش العراقي، فيتحدث عن "خيانة عدة مسؤولين في الحزب الوطني لكردستان"، وأن "هذا الاستسلام تفاوَض حوله ابن طالباني الأكبر، بافيل، مع مقرب من الجنرال قاسم سليماني، الذي ثبت أنه كان موجودا في المنطقة أثناء الإعداد للهجوم وما بعده".

ويدافع ليفي عن صديقه البرزاني وضباطه فيكتب: "ليس صحيحا أن بعض أنصار البارزاني انسحبوا دون قتال. وإن كانوا قد قرروا، في بعض الحالات، ألا يقودوا جنودهم إلى المجزرة".

ويضيف أن "وسائل الإعلام لم تتحدث، إلا قليلا، عمّا وقع في جنوب شرق كردستان، حيث قاوم الأكراد إلى أن نفدت ذخيرتهم، كما صمدوا في طوزخورماتو، 24 ساعة، قبل أن يتم سحقهم مع عدد غير محدد من المدنيين".

وينقل ليفي عن صديقه سروان بارزاني، كلمات تفوَّه هذا الأخير بها له، قبل شهرين في قصر الإليزيه، حين شاهَدَا مع الرئيس إيمانويل ماكرون الفيلم الذي أنجزه برنار هنري ليفي عن الموصل: "لقد كنا نتصور أن أميركا وأوروبا معنا بقدر ما نحن معهم في مواجهة داعش، لكننا كنا مخطئين. ها نحن عدنا إلى زمن لم يكن لدينا فيه من أصدقاء سوى جبال كردستان. والجنرال دوغول، الذي تستشهد به كثيرا، كان على حق، حين قال: ليس للشعوب أصدقاء".

ثم استعرض ليفي عصابة الأربعة، حلفاء الظرفية الحالية، وهم تركيا والأسد والعبادي وإيران، والذي منحهم الغربيون هدية لا تقدَّر بثمن، وهي غضّ الطرف.

ويسخر ليفي مما يسميه "وحدةُ العراق العبثية"، ويشن هجوما على الغربيين، الذين ارتكبوا في نظره "خطأ سياسيا كبيرا مُضاعَفاً بخطأ أخلاقي، لا مثيل له، منذ أمد بعيد". ويستثني فرنسا من هذا الغرب: "فرنسا الوفية لميلها الداعم للأكراد، حاولت ابتداء من 23 أيلول/سبتمبر وساطة بين البارزاني والعبادي، قَبلها الأول ورفضها الثاني."

ويستعرض الموقف الروسي من القضية، بعد "استقالة الغرب"، ويعبر عن ذهوله لأن وسائل الإعلام لم تتحدث بما يكفي عما جرى يوم 18 سبتمبر/أيلول، حين أعلنت روسنفت، وهي شركة نفطية روسية مقربة من بوتين، عن عقد اتفاق-إطار مع حكومة كردستان. وهو ما يعني في نظر ليفي: "أن بوتين وسّع نفوذه خارج حمايته السورية، فهل أردنا أن نقذف بين ذراعيه أكرادا يحسون بالإهانة ومسحوقين من المعاناة والغضب، ومستعدين، كما هي حال الشعوب التي تتعرض للخيانة، في غالب الأحيان، لالتقاط أول يد منقذة قادمة؟!.."

أي أن إفشال الوساطة الفرنسية، من أجل قبول وساطة بوتين، "يعني في نظر الدبلوماسية الفارسية ومرزُباناتها العراقيين مأثرة مخيفة، وبالنسبة للروس، انتصارا غير منتظر".

يستعرض برنار هنري ليفي، كعادته، شعوبا كثيرة عانت مما يعاني منه الأكراد. وكعادته، تماما، لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، في قائمته، التي تبدأ "من الموافقة على إبادة الأرمن، مرورا بعدم التدخل في إسبانيا أو في تشيكوسلوفاكيا، لتصل الذروة مع المَحرقة، ثم التخلي عن ساراييفو والتوتسي ودارفور."

وفي الختام، يضع ليفي، في مقاله، كركوك في مصاف المدن التي دخلت التاريخ إلى جانب ميونخ. ويكتب: "نموذج كركوك الذي يسمو بعقل الاستسلام إلى درجة من الإفراط في الدقة غير مسبوقة. ألَم نَقُم عبر انتقادنا، دفعة واحدة، لإجراء هذا الاستفتاء، بمعانقة وجهة نظر المعتدين"؟

ثم يضفي برنار هنري ليفي على نفسه مَشهدا كئيبا: "وبالنسبة للذين، في مثل حالتي، يعتبرون قضايا الشعوب الزائدة، قضايا مقدسة، فقد تلقوا هزيمة قاسية".                          ​