براون "الاسكتلندي" ومهمة إنقاذ الإمبراطورية البريطانية الموحّدة

براون "الاسكتلندي" ومهمة إنقاذ الإمبراطورية البريطانية الموحّدة

08 سبتمبر 2014
براون أبرز الداعين إلى الحفاظ على الاتحاد(Getty)
+ الخط -
تنمو مخاوف الحكومة البريطانية، بزعامة ديفيد كاميرون، يوماً بعد يوم، مع اقتراب موعد الاستفتاء على استقلال مقاطعة اسكتلندا المقرر في 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، ولا سيما بعدما أظهرت آخر استطلاعات للرأي تناقص عدد المدافعين عن البقاء ضمن المملكة المتحدة.

وتحاول لندن جاهدة الحفاظ على اسكتلندا ضمن الاتحاد البريطاني، فشرعت بتنظيم حملات توعية لحشد التأييد لصالح الاتحاد، وأُسندت قيادة هذه المهمة إلى وزير الخزانة السابق، وعضو حزب العمال المعارض، أليستر دارلنغ، وذلك لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الرافضين للاستقلال.

ولكن رغم كل هذه الجهود المبذولة من قبل لندن، أظهرت آخر استطلاعات للرأي تراجع نسبة المدافعين عن البقاء ضمن المملكة المتحدة، لصالح الاستقلال، بست نقاط. فقد كشفت مؤسسة "يوغوف"، الخاصة باستطلاعات الرأي العام، الثلاثاء الماضي، أن نسبة المؤيدين للاستقلال أرتفعت إلى 47 في المئة، فيما هبطت نسبة الرافضين إلى 53 في المئة.

وظهرت هذه الاستطلاعات المخيّبة لآمال الحكومة البريطانية، بعد أيام قليلة من المناظرة الثانية والأخيرة حول الاستفتاء على الاستقلال بين رئيس الوزراء الاسكتلندي وممثل معسكر المطالبين باستقلال اسكتلندا، أليكس سالموند، ورئيس حملة "الوحدة أفضل"، التي تدعو إلى بقاء اسكتلندا في الاتحاد، ألستير دارلنغ.

ويرجع مراقبون ارتفاع عدد المؤيدين للاستقلال أخيراً، إلى ما يصفونه بـ"بالحملة السلبية" الذي يديرها دارلنغ، ولا سيما تركيزه على المخاطر التي تهدد مستقبل اسكتلندا في حال اختار سكانها الانفصال، والتلويح بحرمانهم من منافع سياسية واقتصادية توفرها المملكة للأقليم في الوقت الحالي، ما أفضى إلى نتائج عكسية.

ويبدو أن لندن باتت تدرك هذه المشكلة وتحاول تجاوزها بأسرع وقت، لا سيما أنه لم يتبق على موعد الاستفتاء إلا أيام معدودة. فقد لجأت الحكومة البريطانية إلى شخصيات لها ثقل وطني وتمتلك خبرة طويلة في السياسة والاقتصاد، من أهمها رئيس الوزراء السابق، غوردن براون.

ويُعرف عن براون، الذي خلف توني بلير في رئاسة الحكومة البريطانية وزعامة حزب العمال بين 2007 و2010، أنه من السياسيين الكفوئين وله باع طويل في السياسة والاقتصاد. وسبق لبراون أن تولّى، قبل تسلّمه رئاسة الحكومة، وزارة المالية البريطانية لمدة عشر سنوات (1997 ـ 2007)، وشغل قبل ذلك منصب وزير الظل لوزارة الخزانة لمدة خمس سنوات.

وبالرغم من خسارة حزب "العمال"، بزعامة براون، الانتخابات العامة في 2010، وتولّي منافسه، حزب "المحافظين"، الحكومة بمشاركة "الديمقراطيين الأحرار" بزعامة نيك كليغ، إلا أن البعض يعزو ذلك إلى أسباب خارج سيطرة براون، وإلى التركة الثقيلة التي خلّفها بلير لحزب "العمال"، لا سيما تورّط الأخير بغزو العراق في 2003.

ويعود لبراون الفضل في التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، وإلى استشاراته القيّمة لحكومات الدول الكبرى وحثّها على دعم المصارف العالمية وانتشالها من الافلاس المحتّم.

ومن خلال حملة "البقاء أفضل"، يحاول براون الابتعاد قدر المستطاع عن نهج دارلنغ في إدارة الحملة، ويحرص على تجنّب التركيز على النتائج السلبية التي ربما ستلحق بسكان اسكتلندا، في حال اختاروا الاستقلال، والتركيز، بدل ذلك، على الجانب الإيجابي في خيار البقاء في بريطانيا الموحدة. ويريد براون، من خلال ذلك، استقطاب المتعصبين للاستقلال، خصوصاً بين فئة الشباب.

وفي محاولة لدغدغة مشاعر الذين سيشاركون في التصويت المرتقب واستقطابهم، حثّ براون، السبت، هؤلاء على عدم التفريط بالاتحاد البريطاني "الذي أثبت أنه أنجح شراكة بين أمم كبيرة عرفها التاريخ"، على حد وصفه.

وقال، خلال مؤتمر نظمته مجموعة "لايبر سبورتنغ بروغرس"، المؤيدة لحزب العمال: "لا يوجد، في أي جزء من العالم، أربع أمم تتقاسم الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية نفسها".

وأضاف: "جميع الاسكتلنديين والإنجليز والويلزيين والايرلنديين الشماليين يتمتعون بالحقوق نفسها، في ما يخص معاشات التقاعد والاعانات المالية للعاطلين عن العمل والمرضى والمعاقين، بالإضافة إلى الخدمات الصحية المجانية، والضمان الاجتماعي وأجور العمل".

ولكونه من أصول اسكتلندية، يحاول براون الدخول الى قلوب الاسكتلنديين واستمالتهم بخطابات قومية رنانة، داعياً إياهم إلى العيش تحت خيمة بريطانيا موحدة، واعداً ببذل كل ما في وسعه لمساعدة المحتاجين والعاطلين عن العمل.

ويحرص على الوصول إلى عقول المؤيدين للاستقلال واستمالة الذين لم يحددوا بعد خيارهم، من خلال تسليط الضوء على الموارد التي يتمتع بها الاتحاد البريطاني، ومن خلال إعطاء أرقام ونسب تفصيلية. ويعد براون، هؤلاء، في حال بقاء الاتحاد البريطاني، بمطالبة لندن بمنح اسكتلندا صلاحيات وامتيازات أوسع، ولا سيما في ما يخص الضريبة والاعانات المالية، وذلك من خلال ترؤسه لوفد تفاوضي يتولى هذه المهمة.

ومن المتوقع أن تبذل الاحزاب الرئيسية الثلاثة، "المحافظين" و"الديمقراطيين الأحرار" و"العمال"، كل ما في وسعها للحيلولة دون انفصال اسكتلندا عن الاتحاد البريطاني. ولغاية مجيء يوم الاستفتاء المرتقب، يتوقع أن تسود خطابات الترغيب، بدلاً من الترهيب، الحملات المحمومة التي يتبناها غوردن براون ورفاقه لحث المعنيين على اختيار البقاء ضمن المملكة المتحدة وتحت سيطرة مدينة الضباب.

المساهمون