انهيارات بشرية

انهيارات بشرية

31 أكتوبر 2017
+ الخط -
في الجزء السابع للمسلسل الأميركي الشيق الشهير "لعبة العروش" الذي يتكلم عن صراع دموي لممالك متعددة متحاربة فيما بينها، نجد أن هذه الممالك المتصارعة والمتناقضة، والتي لا يمكن أن تتعايش مع بعضها من دون حرب تتوحد أوتوماتيكيا في جيش واحد، وتوقف صراعاتها البينية، عندما يكون هناك عدو خارجي يهددها وجوديا، وهو في المسلسل هنا "جيش من الأموات" يهدّد الحياة البشرية برمتها .
تذكرت هذا المسلسل، وأنا أرى تقارير متعددة لا يريد أحد من السياسيين تصديقها، تحذر من خطر الاحتباس الحراري على العالم برمته، وأنّ هذا الخطر أكبر بكثير وأسرع بكثير مما يتخيّل بعضهم، وتؤكد هذا المسار لديهم درجات الحرارة المرتفعة القياسية التي ضربت بعض بقاع العالم، والتي لم يعهدها العالم من قبل، وكذلك التقارير التي تؤكد بدء ذوبان جبال جليدية ضخمة في القطب الشمالي، قد تكون نتيجتها زوال بلدان وشواطئ وجزر بشكل كامل في الأعوام المقبلة.
وفي مشهد آخر مغاير في الزاوية، تابعت أيضا تقارير لخبراء اقتصاديين عن مستقبل الإقتصاد العالمي، وقدرته على البقاء مستقرا. وهنا أريد أن أقول شيئا يشغل بالي، فأنا لا أعتقد أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا لأكبر اقتصاد عالمي كان جزافا، على الرغم من أنني لست من هواة نظرية المؤامرة، إذ أرى أنّ كل قطع الـ "puzzle" المتجمعة تقول عكس ذلك، فمحللون اقتصاديون يتوقعون انهيارا دراماتيكيا وقاسيا للاقتصاد الأميركي والعالمي قريبا، لأن أسعار الأسهم وحالة السوق ليست طبيعية أبداً، وتعيش حالة فقاعية جديدة مشابهة لظروف ما قبل كل الأزمات العالمية التي حصلت قبل ذلك، وربما يكون موضوع تدخل الروس في الانتخابات الأميركية ليس إلا لتغطية تدخلات داخلية أكبر من النافذين في الموضوع، من أجل وصول مخطط لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
أميركا حاليا، حسب وجهة نظر هؤلاء النافذين المفترضين الذين يعرفون مآلات الأمور، ليست في حاجة إلى سياسيين حالياً، فترامب هو أحمق من هذه الزاوية، وهم يعلمون ذلك. ولكن هي بحاجة لشخص اقتصادي رأسمالي جشع، فج، غير دبلوماسي ولا يمكن توقع ردات فعله، ليجلب لهم كتلة من الأموال، ولو عبر تهديد الدول الأخرى على مبدأ "الأتاوة"، ويضغط على الشركات، لتقلل من هروبها وإنتاجها خارج الولايات المتحدة، ويحاول السيطرة على منابع الثروات والنفط والغاز للدول الأخرى، كي يتجاوزوا تبعات هذه الأزمة المقبلة لا محالة، قدر الإمكان، والتي يتوقع محللون أن تكون الأسوأ والأطول في تاريخ العالم، ولو فشل بذلك فبطاقة العزل بحجة التعامل مع الروس دائما جاهزة.
يبدو أننا أمام فترة استثنائية ومفصلية في تاريخ البشرية على صعيد تغيرات المناخ الذي ربما سيقضي على البشرية في عقود قليلة مقبلة، وأيضا على صعيد الاقتصاد العالمي الذي سيدمر حياة عشرات الملايين من الناس وأحلامهم ومستقبل أولادهم بشكل أسوأ من عامي 1929 و2008 فيما لو حصل. وعلينا أن نفكر منذ اليوم، ماذا سنفعل في اليوم التالي لانهيار اقتصادات العالم، وكيف سنحمي بلداننا الهشة اقتصاديا في الشرق الأوسط منها، بدلا من انشغالنا الأحمق في حروب بينية سنية شيعية أو عربية كردية أو معارضة موالاة، بدلا من مواجهة الأخطار الخارجية المحدقة بنا، والتي تهددنا وجوديا على صعيد الدول، أو حتى على صعيد الأمم، كي ننهض معا من سباتنا الذي طال أمده .
وكذلك هو الأمر عالمياً، فيتوجب على دول العالم أن تتوّحد وتنهض معا لتواجه أثر التغيرات المناخية والاقتصادية على العالم، وتضع خطة موحدة محكمة لحماية هذا الكوكب، ما يحيق به من أخطار وكوارث قد تتجاوز خسائرها البشرية والإقتصادية فيما لو حلت خسائر الحرب العالمية الثانية بكثير، فهل وصلنا نحن البشر إلى هذه المرحلة الانتقائية في سلم التطور الانتخابي الدارويني، والتي ستؤهلنا لحل مشكلاتنا سلميا ومعرفيا، بدل الحروب والجشع والاصطدام وسرقة مقدرات بعضنا بعضا.. السنوات المقبلة كفيلة بالرد على ذلك.
3463CD2D-EBC9-416C-80A4-2F97344E429D
3463CD2D-EBC9-416C-80A4-2F97344E429D
عمار عرب (فلسطين)
عمار عرب (فلسطين)