انحناءة لـ"الفرد" الفلسطيني

انحناءة لـ"الفرد" الفلسطيني

01 سبتمبر 2014
على شاطئ غزة (ابراهيم خضر/GETTY)
+ الخط -

منذ أن حوّلتهم أيديولوجيات النصف الثاني من القرن الماضي إلى "قضية مركزية"، فقد الفلسطينيون وجودههم كأفراد. بات "الفلسطيني" اسماً آخر لكائن مجهول الملامح، كفرد، لكنه معرّف، كجماعة، بكونه صاحب أكثر القضايا "السياسية" مأساوية في عالم ما بعد الكولونيالية.

لم يعد ثمة أسماء فلسطينية، إلا بصفتها "هدفاً" لمراكز حقوق الإنسان، أو وزارات الصحة، لتدوينها وحفظها، من باب التعريف بـ"حصيلة" الشهداء، لا أكثر. اختفت أسماء فلسطينيين بعد موتهم، خلف عبارات "الصمود" و"التضحية".

الاختفاء الذي يدور الحديث عنه يتعلق، أوّلاً، بمشروع الجماعات السياسية الفلسطينية "استثمار التضحية"، وهو أمر مشروع بالطبع، طالما أن السياسة، بأحرف كبيرة، سعي متواصل للدفاع عن الضحايا، الأحياء منهم والأموات، وطالما كانت تلك القوى قادرة على التمسك بالأفق الإنساني للمشروع الفلسطيني: الحرية.

لكن، ثمة اختفاء للأسماء الفلسطينية من نوع آخر؛ ثمة أفراد أُطلق عليهم صفة "الشهداء"، دون أن يعلم أحد إن كان لحظة الموت التي اختارها لهم "القدر السياسي"، هي اللحظة التي أرادوا فيها أن يموتوا فعلاً، بمعنى رغبتهم في أن يتخلوا عن أرواحهم كأفراد، خدمة لهدف سياسي، لصالح الجماعة. ثمة أفراد فلسطينيون قتلوا، ولكل واحد منهم أحلامه ويومياته وأوهامه التي تشكل حياة كاملة لفرد لم يختر أن ينهها بنفسه.

لا يمكن، هنا، إجراء تمييز بين أطفال وبالغين، بين نسوة ورجال؛ الموت "مساواة قصوى". لا يمكن إبداء الأسى على موت طفل أو طفلة فلسطيني/ة، بصورة أكبر من الأسى الذي يتسبب به موت البالغين، الأمر نفسه ينطبق على التمييز بين رجال ونساء. هؤلاء وأولئك أفراد ماتوا فقط جراء معركة ستؤول، في نهاية المطاف، إلى سجلات تاريخ لا يعترف بالأفراد، بل بالدول والجماعات والجيوش، بمنتصر ومهزوم، وهو تاريخ منحط على أيّة حال.

ولأن اللحظة التي يحياها المشرق العربي، لم تكن يوماً إلا "لحظة غليان سياسي"، لم يُعط الفلسطيني حقّه كفرد، بل تحوّل الاسم نفسه إلى عنوان عريض يخفي، بقسوة دائماً، وبتعسف أيضاً، حيوات أفراد، من دون أن يكون لـ"استثمار التضحية"، حتى اليوم، دورٌ في إعادة تظهير الفلسطينيين بهذه الصفة: أفراد؛ الأمر الذي يشكل غاية كل مشروع سياسي ذي معنى إنساني عميق: الإنسان بصفته فرداً حراً.​

المساهمون