انتخابات الجزائر غداً: سُداسية تبني النظام أو... تدمّره

انتخابات الجزائر غداً: سُداسية تبني النظام أو... تدمّره

16 ابريل 2014
مناصران لعلي بن فليس في العاصمة الجزائرية (getty)
+ الخط -

ليست بلاد شمال افريقيا دولاً مستقرّة. تغيّرت كثيراً بعد عهود الاستعمار والاحتلال. لم تتلمّس هدوءها بنحو كامل، من مصر الى المغرب. الجزائر حالة خاصة، في اطار سعيها الى ضمان استمرارية نظام مرتبط بسداسية الجيش والإسلاميين والبربر (الأمازيغ) والشباب والمهاجرين الأفارقة والغاز، وسط رقعة جغرافية واسعة، محاطة بجيران لا تُحسَد على بعضهم، كليبيا وتونس والمغرب والنيجر ومالي وموريتانيا، وتصل الصحراء الافريقية الكبرى بالبحر الأبيض المتوسط.

في خضمّ هذا الخليط الفاقع في بلاد "المليون شهيد"، يخطو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خطوة إضافية للاستمرار في السلطة لولاية رابعة على التوالي، في الانتخابات الرئاسية الجزائرية غداً الخميس. للرجل تاريخ حافل في المصالحات والتحالفات وإعادة رسم خريطة سياسية، عربياً واقليمياً ودولياً.

لم تبحث الجزائر عن ربيعها الموحّد، رغم وجود كل مقوّمات "الثورة" فيها. التسعينيات لم ترحمها في حربها مع الإسلاميين (1991-2002)، وربيع البربر (1980) أدّى الى الاعتراف بـ"شرعية" 25 في المئة من الشعب الجزائري. الجيش ليس بعيداً عن الميادين، فهو من رفض الاعتراف بأحقية فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية (1990)، المُمهّدة للحرب، وهو من يرفض، بعد تكريس انتصاره، تجدّد أي شكل من أشكال الإسلام السياسي، خصوصاً بعد الاضطرابات على الحدود الشرقية، في تونس وليبيا.

يسعى الجيش الى تكريس قوّته عبر دعم الجنرال بوتفليقة، على الرغم من ظروفه الصحيّة الصعبة، لكنه لا يرفض منافس بوتفليقة الرئيسي، رئيس الوزراء السابق، علي بن فليس، الذي تردّد في الأوساط الجزائرية، أنه مقرّب أيضاً من الجيش، وأن أجنحة عسكرية عدّة تدعمه. باختصار، يرى البعض أن الجيش لا يهتمّ بهوية الفائز، فالرجلان يُعدّان من حلفائه.

أما البربر، فلم يكونوا يوماً في حالة وفاق مع السلطة في العاصمة، وذكرى اضطرابات العام 1980، تبرز الى الواجهة، في كل مرّة يقع الاصطدام، بفعل "أعمال شغب" رياضية أو سياسية. منطقة القبائل تُعتبر معقل البربر الأمازيغ، التي شهدت منذ أيام قليلة مواجهات حادّة في بجاية، بين ممثلي بوتفليقة والأهالي، أدّت الى إلغاء تجمّع شعبي لأنصار بوتفليقة في حملة "العهدة الرابعة".

ومع أن السلطة اعترفت باللغة الأمازيغية رسمياً، غير أن أقلية من البربر بدأت تنادي بضرورة "العودة الى الجذور، ورفض العروبة والإسلام"، في إشارة الى مملكة نوميديا القديمة، التي حكمت من السواحل المغربية الى تخوم ليبيا، لقرنين من الزمن، منذ حوالى 2200 عام.

أما "المفاجأة" البربرية، فتكمن في دعم بعض هؤلاء لبن فليس، على اعتبار أنه على الأقلّ ليس بوتفليقة، وأنه قادر على "تأمين حقوق مشروعة لهم، ضمن مفاهيم حقوق الانسان"، التي ينادي بها. ويلتقي جزء لا بأس به من طلاب الجامعات والشباب الجزائري، مع فكرة عدم ترشّح بوتفليقة، واعتبار الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، أشبه بحزب قديم لن يتمكّن من مواكبة العصر، لا بل ذهب بعضهم الى المطالبة بوضعه في "متحف التاريخ".

أما بالنسبة الى الإسلاميين، فإن انكفاءهم بات أشبه بالهزيمة. هم غير مستعدّين لتكرار تجربة سياسية قد توصلهم الى السلطة، ثم يُلزمون بالخروج منها، رغم ادراكهم أن الحلّ الأنسب يبقى في التفاهم مع الجيش، واستيلاد نموذج تركي آخر، في الجزائر. حتى الآن، يبقى الأمر ضرباً من ضروب الخيال، رغم استفتاء المصالحة في 2005. فالمصالحة شيء، والتفاهم السياسي شيء آخر.

ويبدو جزائريو فرنسا، على الضفّة المقابلة للبحر الأبيض المتوسط، أقلّ حماسة إزاء الاستحقاق الانتخابي، فاليمين الفرنسي الصاعد ضرب معاقلهم "التقليدية"، وحماستهم للتغيير تواكبها غصّة عدم القدرة على التأثير الفاعل في القرار.

ومع أن الأرقام الرسمية للبطالة في الجزائر بلغت 9.8 في المئة في نهاية العام 2013، فإنها لا تُعتبر مؤشراً على إمكانية القضاء على البطالة، مع وجود 23 في المئة من الجزائريين تحت خطّ الفقر. فضلاً عن ترسّخ فكرة اعتبار الجزائر خطّ ترانزيت افريقي وعربي الى أوروبا، وإن بصورة أقلّ من تونس والمغرب وليبيا، لاعتبارات جغرافية.

الأهمّ من كل ذلك، يبقى ملف الغاز، فالجزائر تموّن إيطاليا وإسبانيا بالغاز، وتُعتبر بديلاً "مشروعاً" عن روسيا، في حال استمرّ اشتباك الأخيرة مع أوروبا في شأن أوكرانيا. لكن الوضع ليس بهذه السهولة، أكان لبوتفليقة أم لبن فليس، فالشركة الوطنية "سوناطراك"، صاحبة اليد العليا في قطاع الغاز في البلاد، سبق أن أبرمت عقوداً استثمارية مشتركة مع "غازبروم" الروسية، ما سمح لها بزيادة الأسعار على روما ومدريد، في ظلّ عدم قدرة الايطاليين على تأمين البديل الليبي، وغياب أي بديل فعلي لاسبانيا. سبق أن قالها السفير الروسي في الجزائر، ألكسندر زولوتوف: "موسكو لا تعتبر الجزائر منافساً لها في أوروبا، بل شريك قوي لنا".

سيكون ملف الغاز عنوان العهد المرجح المقبل لبوتفليقة، خصوصاً بعد تأجيل قانون تحرير القطاع، والزيارات المتتالية للوفود الأوروبية والأميركية، لاستطلاع إمكانية رفع سقف ضخّ الغاز الى اسبانيا، وللوصول الى ما معدّله بين 50 و60 مليار متر مكّعب سنوياً (نصف الاستيراد الأوروبي، تقريباً، من روسيا) لمحاولة كسب ورقة سياسية – نفطية، تُمكّنهم من رفع سقف المواجهة في أوكرانيا.