ضجة إعلامية صاحبت الإعلان عن مشروع عبد الفتاح السيسي، حفر تفريعة جزئية جديدة لقناة السويس، وتم تضخيم الموضوع، فوصف بأنه قناة سويس "جديدة". بينما قوبل المشروع بانتقادات حادة من جماعة الإخوان المسلمين، وصلت إلى حد اتهام السيسي بسرقة مشروع تنمية القناة، الخاص بمحمد مرسي. هذا البون الشاسع بين المؤيدين والمعارضين، مرده الأساس غياب الشفافية واختلاط الأمر بشأن طبيعة المشروع الراهن وأبعاده. ما سمح بشن حملات متناقضة بين التأييد والرفض، وكلاهما على غير أساس وبغير علم. فصار مؤيدون يدافعون عن مشروع تنمية القناة، أو حفر قناة جديدة، بينما هو ليس هذا ولا ذاك. وفي المقابل، يهاجمه المعارضون باعتباره استنساخاً لمشروع سابق لم ير النور، وهو، أيضاً، ليس كذلك.يدرك المدقق فيما أعلن من المشروع، سريعاً، كونه مجرد تفريعة جديدة للقناة، وتعميق بعض المناطق في المجرى الحالي والتفريعات القديمة. وهذا بذاته جيد ومفيد ولا غبار عليه، لكن هذه حدوده لا أكثر. وبالفعل، مطلوب في هذه المرحلة زيادة عائدات القناة، ورفع قدرتها الاستيعابية للملاحة، على الرغم من أن متخصصين يشككون في هذا، على اعتبار أن زيادة عدد السفن المارة يخضع، أساساً، لعوامل مرتبطة بحركة التجارة العالمية، ورواج السوق العالمي أو كساده، أما القدرة أو الكفاءة الملاحية للممرات المائية فهي متغير ثانوي. لكن، السؤال الرئيس الذي يجب استقصاء الإجابة عنه، هل هذا هو المشروع القومي لتنمية مصر واستنهاض اقتصادها؟ وتستوجب الإجابة التعرف على مشكلات الاقتصاد المصري، وأوجه الخلل والنقص فيه، وبالتالي، متطلباته التنموية.ما يعلمه القاصي والداني أن مصر في حاجة ماسة إلى استثمارات صناعية وزراعية، تتيح فرص عمل، وتُحدّث قطاع الصناعة، وتقلل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، خصوصاً في مجال الطاقة والغذاء. أما زيادة عائدات قناة السويس فسيساعد على التقليل من العجز المالي في الموازنة العامة للدولة، بما ينعكس بالضرورة على تمويل الإنفاق الحكومي، على الخدمات والأجور وغيرهما. لكن، هذه الحزمة برمتها تظل مجرد حلقة "مالية"، ضمن سلسلة إجراءات وسياسات مطلوبة للبدء في طريق التنمية الشاملة. خصوصاً أن كل ما سيتحصل من زيادة في العائدات هو، في النهاية، سيولة نقدية، ستبتلعها النفقات الضخمة، ولن يتبقى منها ما يسهم في الارتقاء بالاقتصاد، أو حتى بالإنسان المصري، تعليماً أو صحة أو بنية أساسية. فضلاً عن ذلك كله، استمرار عوائد القناة واستقرارها مرهون دائماً بالأحوال السياسية والأمنية في المنطقة، وليس فقط في مصر، وغيرها من اعتبارات تجعل الإيرادات عرضة للتذبذب، صعوداً وهبوطاً.إن وصف "مشروع قومي" أوسع بكثير من استدرار عوائد نقدية في مقابل خدمة. فالمشروع القومي يعني نقلة نوعية وكمية في الدولة، مجتمعاً وحُكماً. وهو يفترض منظومة متكاملة من المسارات الفرعية، تصب جميعاً في إطار واحد، وتحقق مصلحة عليا، وطفرة شاملة، تنعكس على حياة المجتمع، وأداء مؤسسات الدولة. حتى، وإن كان ذلك تدريجياً، لكنه يظل شاملاً. هكذا مشروعات ضخمة ونوعية، لا تُقرر أو تفرض بقرارات فوقية، في غياب برلمان، أو أي سلطة رقابية. وإنما تخضع لدراسات ومفاضلات ومراجعات مطولة بين المتخصصين، ثم على المستوى العام. حتى إذا ما توافق عليها الشعب، يصبح الالتزام بها واجباً وطنياً. وتصير الرقابة عليها ومتابعة تنفيذها مسؤولية شعبية ورسمية. أما أن تشق تفريعة جديدة لقناة السويس (مهما طالت كيلومتراتها) فهذا تطوير وتحديث لمشروعٍ هو تجاري خدمي بطبيعته. وما لم يتم التعامل معه في تلك الحدود، وبقي الإصرار على تضخيمه وتمجيده بغير أساس، سيلحق بمشروعات سابقة، مثل توشكى، وترعة السلام، والنوبارية، والصالحية، والثورة الخضراء، فكلها حملت أيضاً لقب "قومية" ونالت الدعاية نفسها، ثم فشلت.
انتخابات الجالية التونسية في فرنسا