الهروب إلى العالم الأزرق

الهروب إلى العالم الأزرق

05 ابريل 2018
+ الخط -
من الجيد إحراز بعض الانتصارات التي تعد خطوة مهمة في شحذ الهمم لنستمر في تقبل الحياة بحلوها ومرها، لكن السؤال المهم الذي يتردد كثيرون في الإجابة عنه بعد طغيان العوالم الافتراضية، هل يعد الانتصار الافتراضي انتصاراً حقيقياً؟

أفقدتنا مواقع التواصل الاجتماعي القليل مما كنا نحافظ عليه من قيم ومبادئ إنسانية عندما انصب اهتمام مستخدميها على الشهرة ولفت الأنظار!

ارتداء أقنعة الكذب وتفشي النفاق الاجتماعي في العالم الأزرق أسهل بكثير من ارتدائها في الواقع، حتى إننا لم نعد نعلم أينا مزيف وأينا حقيقي، فمن السهل التخفي وراء لايك وبعض القلوب الحمراء، لتُلغى كل وسيلة اتصال روحية مخافة ظهور الحقيقة.


يستمرون في غيّهم حتى يصبح من الطباع حقيقية، فلا يعود الواقع حقيقياً. فقدنا كثيراً من الأدب والتهذيب في التخاطب مع كبار السن والغرباء وباللاشعور تنعكس هذه السلوكيات على الواقع، فبطبيعة الإنسان يلتقط السيئ أكثر من الجيد فالجيد صعب. يسعى إلى هدفه بأقصر الطرق وإن كان الطريق سيؤدي به إلى التلاشي في نهاية المطاف.

أولئك الذين يكسرون الحواجز والحدود الرسمية مع الغرباء عنهم من باب الظرافة والتودد يتجاهلون أن الوقاحة بعيدة كل البعد عن اللطف، فلا تُكنّ أو تعبث بأسماء من لم يسمح لك بذلك.

تجد من لا تعرفه يخاطبك بكنية "حبيبتي، يا قلب" أو يتلاعب باسمك الذي تحافظ على اتزانه ورصانته ليفقد المخاطب خصلة من خصال الأدب. وثمة آخرون يوغلون في ترديد الألفاظ النابية، خصوصاً المثقفين والإعلاميين والمؤثرين في محيطهم، كأنها كلمات عابرة ليوقعوا القارئ والمستمع بفخ الدهشة تحت غطاء الحداثة ويستمروا في الانجرار ودفع الفرد المتلقي إلى التجرد من الحياء وإلى الابتذال باسم المزاح والود بدون أدنى شعور بالمسؤولية الاجتماعية تجاه نشر ثقافة (الكلام الأسود)، ولما تحدثه تلك الكلمات من جرح اجتماعي كجماعات أو روحي كأفراد وأحياناً تصل بنا إلى (العيب الأسود).

صارت الشهرة مؤخراً هوساً يغلب الإنسان على أمره وينسيه صناعة هدف حقيقي يجعل من الشهرة ناتجاً لا هدفاً رئيسياً. أراقب منذ سنوات كيف يجعل الإنسان من إنسانيته ثوباً يفصله على مزاجه، كيف يجعل من نفسه فقاعة ليتلاشى مع تلاشي السبب. من حقك أن تحصد الشهرة ومن حقنا أيضاً أن تقدم شيئاً يلمس الروح من شغفك، واهتمامك، وموهبتك. وعندما تقدم قدّم بصدق وتمسك بالشغف وستأتي الشهرة كناتج عن محتوى حقيقي!
7B875018-CC3F-46B9-A3DE-684F93E0A72B
صفاء الهبل

روائية وكاتبة يمنية، رئيسة مبادرة (كن إيجابيا) للأعمال الخيرية. صدر لها رواية (قدري فراشة).تعرف عن نفسها: مجرد باحثةٍ عن غيمة لتمرغ فيها مرارة الواقع.مصابة بالمسّ. كلما أمطرت رفعت طرف حرفي ورقصت حتى الإنهاك والتعب.

مدونات أخرى