الملفات الاقتصادية تحاصر الحكومة التونسية الجديدة

الملفات الاقتصادية تحاصر الحكومة التونسية الجديدة

02 فبراير 2014
+ الخط -

تقف تونس أمام تحديات اقتصادية واجتماعية لا يمكن تفاديها على الرغم من التطورات السياسية الإيجابية التي شهدتها تونس الأسبوع الماضى. فقد شهدت البلاد إقرار الدستور الجديد. كذلك، قام المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بانتخاب حكومة المهدي جمعة بالتزكية.

والتزكية جاءت بالطبع بعدما ساهم "الرباعي" (اتحاد الشغل واتحاد رجال الأعمال وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان) برعاية الحوار الوطني وإرساء مناخ توافق.

ومع التطورات الأخيرة فان السؤال المطروح هنا هو: هل يمكن الرهان على الحكومة الجديدة لمعالجة الملفات الاقتصادية الملحّة، برغم أن مهمتها الوصول إلى انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية العام الحالي؟

ويعاني الاقتصاد التونسي من مشاكل أبرزها ارتفاع معدل البطالة والفساد وارتفاع الاسعار وتفاقم عجز الميزانية وتراجع نسبة النمو بسبب تباطؤ الاقتصاد جراء الأزمة السياسية في البلاد واستمرار الازمة الاقتصادية في أوروبا أول شريك تجاري لتونس، الى جانب غياب الاستثمارات الاجنبية وتزايد عمليات التهريب التي تؤثر سلبا على الاقتصاد.

المتابع للملف التونسي يلحظ ان الغموض والارتباك سيطرا على الرؤية الاقتصادية في البلاد منذ انطلاقة الثورة نهاية العام 2010. والسبب هو غياب البدائل التنموية واضحة المعالم. كذا، بقيت القرارات الحكومية في التعاطي مع تحديات التنمية خارج القدرة على إحداث التحول الاجتماعي والاقتصادي المنشود. وأكثر، شهدت الفترة الماضية استمرار النهج الاقتصادي الموروث الذي يقتصر على إدارة الشأن العام من دون أي تخطيط.

هكذا، لم تشهد تونس أي استثمارات حقيقية. أيضاً، بقيت الأسوق خارج القدرة على المنافسة ومرتهنة للشركات الاحتكارية.

وأمام غرق النموذج الليبرالي بالأزمات المالية العالمية، لا يزال الاقتصاد التونسي في انتظار تبلور السياسات الاقتصادية وفق خطط وأهداف واضحة.

في موازاة ضبابية الرؤى الاقتصادية، ارتفع سقف المطالب النقابية في جميع القطاعات. فقد دفعت الضغوطات النقابية الحكومات المؤقتة إلى اتخاذ إجراءات شعبوية. فالحكومات تواجه إرثاً ضخماً من السيطرة المركزية على ثروات البلاد. حتى إن المطالب بتخصيص نسبة من عائدات الثروات الطبيعية (الفوسفات /البترول / الرخام ...) لتنمية المناطق، يعد امراً صعباً في ظل ارتهان الإدارة لعقود تسليم احتكارية طويلة المدى .

من جهة أخرى، يبقى الاستقرار الاقتصادي رهين الدين الخارجي. في حين ينتقل العجز في الميزانية من حكومة إلى أخرى، وذلك، من دون الالتزام بنسب مقبولة في حجم الدين أو العجز.

وتجد الحكومة الجديدة نفسها أمام مطالب متعلقة بالوعود الانتخابية لحكومة سياسية سبقتها، أجبرت أو آثرت التخلي عن السلطة لعدم قدرتها على الإيفاء بتعهداتها.

إلى ذلك، يعتبر اللوبي المالي من شبكات المصالح المعلنة في تونس. أما غير المعلن فهي شبكات التجارة الموازية والتهريب.

وتشكل الشبكات الاحتكارية في المنظومة الاقتصادية التونسية أبرز التحديات أمام الحكومة. فهذه الشبكات عبارة عن رؤوس أموال ضخمة تتحكم في المسار الاقتصادي وتفرض سياساتها.

وتختلط في هذه الشبكات رؤوس الأموال ذات الأهداف الاستثمارية بظواهر تبييض الأموال لاستثمارات مشبوهة.

وتسهم كذلك في "تغوّل" الاستثمارات الاحتكارية التي تصل حد الإرهاب الاقتصادي الممنهج.

ويضاف إلى هذه الظواهر التهريب والتجارة الموازية التي تبقى خارج المنظومة الاقتصادية للدولة، لكنها تسهم في خلق فرص العمل. والمساس بهذه الشبكات، وان كان من أبرز واجبات الحكومة، يعكر المناخ الاجتماعي في حال لم يتم إيجاد بدائل توظيفية. 

أما المنظومة القانونية للتنمية، فهي وليدة موروث قانوني متشابك ومعرقل لإتباع أي سياسة اقتصادية ناجعة. الأمثلة كثيرة ومنها قوانين الجباية والصفقات العمومية والمبادرة الاقتصادية والتمويل والاستثمار. إذ ان الهيكلة القانونية لا تنسجم مع البرامج المستعجلة وقصيرة المدى. وبالتالي يمكن القول أنه سيتم الاكتفاء ببرنامج عمل يكون هدفه الحد من تدهور المؤشرات الاقتصادية والمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. أما السبب فيعود إلى اجتناب الخوض في المسائل الهيكلية لأنها تتطلب شرعية انتخابية ومدة زمنية كافية للتعاطي معها.

وأكثر من ذلك فقد قامت الحكومات المتعاقبة بسن القوانين ومراجعتها قبل إقرار الدستور وهو ما يمكن أن يحدث تضارباً بين هذه القوانين لغياب المرجعية الهرمية (الدستور). وبالتالي ستتجه الحكومة إلى الحلول "الترقيعية". إذ ان الأكيد أن البرنامج الإصلاحي العاجل لمواجهة التحديات يستدعي توسيع قاعدة التشاركية في اتخاذ القرار الاقتصادي... قرار لا بد ان تتضافر فيه الخبرة العملية والدراسة والتقييم لصناعة سياسات إصلاحية ذات مصداقية .

 

المساهمون