المقاومة المسلحة والعمل السياسي في قبيلتي الخلوط والطليق (1)

المقاومة المسلحة والعمل السياسي في قبيلتي الخلوط والطليق (1)

02 مارس 2020
+ الخط -
بعد مرور 64 سنة على استقلال المغرب، ما زالت ملفات كثيرة مطوية في سجلات التاريخ، وربما فضل كثيرون أن تظل كذلك، وربما كان من الأفضل أن تظل كذلك بالنسبة لبعضهم، إلى أن تتقادم جراحها وتذبل ويختفي أثرها الحاضر، وتندثر آثارها كما تندثر الحقائق في الكم الكبير من الزيف المتراكم!

ليس من السهل في هذه المنطقة التي لم تبرأ جراحها بعد، ومعاناتها التنموية متفاقمة، فتح ملف ثقيل مثل ملف المقاومة المسلحة والعمل السياسي، حينما اختلط صراع العائلات الكبرى بالصراع على السلطة والثروة والنفوذ والأرض، بالعلاقة مع المخزن والاستعمار الإسباني وأطماعه التوسعية وشركاته الإمبريالية وأحقاده التاريخية وسياساته الاستعمارية ورهاناته الأيديولوجية والدولية، خاصة في فترة الحكم الديكتاتوري الفرنكوي.

ليس من السهل البحث في هذا الموضوع من دون معرفة عميقة بالقبيلة، وبعلاقاتها بالحاضرتين العرائش والقصر الكبير اللتين تأثرتا بشكل كبير بما كان يعتمل في عمقهما من صراعات حول السلطة والنفوذ والأرض.


كما أنه ليس من السهل الإحاطة بما وقع، وفهم السياقات من دون معرفة دقيقة بالتاريخ السياسي لشمال المغرب وارتباطه بالحركة الوطنية والدينامية الحزبية التي بدأت في الأربعينيات.

ليست العرائش والقصر الكبير مثل تطوان، لذلك أخطأ ويخطئ بشكل كبير كل من ظن ويظن أن للمدينتين تاريخا مستقلا عن الأحواز -أي قبيلتي الخلوط والطليق- كما فعل مؤرخو تطوان ذوو النزعة الأرستقراطية عند التأريخ لمدينتهم بمعزل عن القبائل المحيطة بها.

أما العرائش والقصر الكبير فقد أثر بشكل كبير ما كان يدور في قبيلتي الخلوط والطليق على وضعيتهما السياسية والاقتصادية، ويصعب اليوم فهم وضع المدينتين من دون فهم ما جرى خلال تلك الفترة الدقيقة من تاريخ المغرب، والممتدة من سنة 1940 إلى سنة 1956..

وهي الفترة التي حكم فيها الفرنكويون إسبانيا وشمالي المغرب، ونشطت فيها الدعاية النازية والحركة الصهيونية، وهي نفس الفترة التي نشطت فيها عملية تأسيس الأحزاب السياسية والحركة الوطنية، ودعمت فيها الفرنكوية عمليات المقاومة المغربية ضد الوجود الفرنسي في الجنوب..

وهي الفترة نفسها التي بدأت فيها عملية الاستقطاب بين الأعيان والقادة والباشاوات الكبار في الشمال كما في الجنوب، إذ أدت المواقف التي اتخذها بعضهم إلى غسل تاريخه الشخصي وجعله أبيض ناصعا، بعد أن كان أسود مثل غلس الليل، بينما عصفت بآخرين وجردتهم من الوطنية والشرف والأمانة.

ما جرى في ريصانة من أحداث مأساوية وانتهى بالعرائش عشية مرور محمد الخامس من شمال المغرب - تطوان - العرائش - القصر الكبير وعرباوة وتحطيمه الحدود الوهمية بين شمال المغرب وجنوبه، ودخول رجال النظام التابعين لحزب الاستقلال بأسلحتهم وشاراتهم الحمراء، وقيامهم بالاستيلاء على ما خلفه الاستعمار الإسباني من بنايات وممتلكات، وقيامهم بحملات الاعتقال والتعذيب ضد أعضاء حزب الشورى والاستقلال والهلاليين، لم يكن سوى الوجه العاري للصراع الخفي الظاهر القديم بين باشا القصر الكبير وباشا العرائش، الذي ظهر من جديد لكي يحسم بالضربة القاضية في ميدان قبيلتي الخلوط والطليق، ومن قوى العماير ليخرج منه باشا العرائش منهزما مندحرا ومنبوذا من مجد التاريخ ونقاء الذاكرة..

يتبع..