المغرب: عائلات المعتقلين في الريف يقاطعون عيد الأضحى

المغرب: عائلات المعتقلين في الريف يقاطعون عيد الأضحى

05 سبتمبر 2017
(مسيرة تطالب بالإفراج عن معتقلي الحسيمة، تصوير: جلال مرشدي)
+ الخط -

مرّ عيد الأضحى بالحسيمة في أجواء حزينة ومشحونة تمامًا، كما مرّ عيد الفطر ورمضان بسبب الأحداث التي شهدتها المدينة، والتي أدّت إلى اعتقال المئات من نشطاء الحراك الشعبي. العائلات تقول إنّها تجرّعت المرارة خلال عيد الفطر وتجرّعتها هذه المرّة كذلك، و"مقصدية الاحتفال" لم تعد قائمة. "جيل" يحاور عائلات المعتقلين وتسألهم عن الأسباب التي دفعت بهم إلى مقاطعة واحدة من أكبر المناسبات الدينية.

هدى السكاكي، زوجة المعتقل لحبيب الحنودي قالت في حديث إلى "جيل": "قرار بالإجماع لا عيد بدونه (رب الأسرة)، أطفالي يستفسرون لماذا حرموا من ذبح خروف العيد وهم كانوا قد اعتادوا ذلك برفقة والدهم كل سنة، فرحتهم بصباح العيد وهم في حلة جديدة يذهبون برفقته إلى البادية ليروا الخروف فرحة لا تتصوّر عندهم، و يعودون متحمّسين ليسردوا لي كل ما رأوه، هذه السنة سيُحرمون من هذه الأجواء والفرحة. كل ما بوسعي أن أقوله الآن حسبنا الله ونعم الوكيل. ولن نتراجع مهما فعلتم. صامدون إلى ما لا نهاية. عاش الريف حرًا أبيًا".

من جهته يروي محمد جوهرتي، ناشط في الحراك وصديق للمعتقلين، أنه اتّفق مع والده أن ينحر خروفًا ويوزّعه على المعوزين، "بعد سجال بيني وبين الوالد خلصنا إلى النتيجة نفسها مع المعتقلين وعائلاتهم بخصوص كبش العيد، وضعت ألف درهم في يد والدي طالبًا منه أن يعفيني من تعب الذبح والسلخ والطبخ، سينحر خروفًا من أجلي ليفرقه على الجيران المعوزين، العيد عابر واللحم إلى زوال وفي القلب اختلطت المشاعر ببعضها، فحضرت سنّة إبراهيم وغابت الفرحة عن أسرتي كما غابت عما يناهز خمسمائة أسرة ريفية ويزيد".

هنا في الريف، حذا معظم سكان الحي على المنوال نفسه. يتساءل المتحدّث، "لماذا الاحتفال وأصدقاؤنا وأحبابنا في السجن؟"، مضيفًا أن الأخبار القادمة من هناك تفيد أن الناس عازفة عن الفرحة راغبة في سنة الخليل، "لا يغيّر ما في القلوب غير موجة خبر مفرح بارد يصفع وجوهنا ويوقظنا من سبات الحزن الذي نغرق فيه".

احمجيق محمد، شقيق المعتقل نبيل احمجيق، يعتبر أن الشعيرة الدينية لعيد الأضحى و"مقاصدية" هذه السنة ينتفي شرطها الأسمى في هذه الظروف التي نمرّ بها، مضيفًا أنه أمام هذا الوضع العام الذي يخيّم على الريف وسيطرة أجواء الحزن إزاء ما يكابدونه من معاناة مع قضية المعتقلين، ارتأوا عدم الاحتفال كسلوك تضامني لأسباب موضوعية مع المعتقلين على حدّ قوله.

هنا، يؤكّد الهاني سفيان شقيق المعتقل محمد الهاني، أنه عائلته قرّرت أنه "لا عيد ومعتقلونا في السجون، حتى يتم إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي الريفي، كما اعتبرت نحر أضحية العيد بمثابة نحر معتقلنا محمد الهاني الذي تولّى هذا الفعل منذ وفاة والده".

يستطرد المتحدّث: "أربع أسر في منزلنا يعلنون ذلك؛ أسرة خالي المقيم بفرنسا وعمي المقيم بهولندا وأسرتي وزوجة أخي. أخي محمد وحده من تزوّج وقد أعلنت زوجته عن موقفها منذ شهر وتقاطع هي أيضًا طقوس العيد. إخوتي كذلك يقولون أن لا عيد ومعتقلونا في السجون".

يعتبر الهاني لو أن الرافضين لخطوة عائلات معتقلي حراك الريف السلمي المتمثلة في مقاطعتها طقوس العيد التي صارت في المجتمع رامزة إلى الاحتفال أكثر مما هي رامزة إلى العبادة، "صرفوا نقاشهم في موضوع يهمّ مجتمعهم ودينهم يختصره التساؤل التالي: لم لا نقاطع أضحية العيد فنتصدق بالمبلغ المفترض شراء الأضحية به على العائلات الفقيرة التي لا تملك ثمن حاجياتها اليومية وحاجيات أبنائها الذين يتابعون الدراسة، خاصة وأن الدخول المدرسي على الأبواب؟".

هنا يعتقد المتحدّث أن غاية الدين، أن يرتقي الإنسان بنفسه، أن ترتقي المجتمعات إلى المستوى الذي يشاع فيها الحب والعدل والرحمة والسلام. وغير هذه الغاية ليست سوى وسيلة، والغاية عند الله تبرر الوسيلة دائمًا على حدّ تعبيره. مردفًا بالقول "قديمًا قيل ينصر الله الكافر العادل ولا ينصر المؤمن الظالم، لأن الغاية من الدين عند الله أن يتحقّق وينتصر العدل والرحمة والسلام، لا أن تنتصر العبادات والشعائر والسنن".

هنا يتساءل الهاني، "لم لا نحقق إذن غاية واحدة، والدخول المدرسي على الأبواب وكثير من جيراننا وأقاربنا مرضى بالسرطان، هي أن ندرس أبناء الفقراء بالمبالغ التي تخسر على هذه الأضاحي؟ لم لا نداوي مرضانا المصابين بالسرطان كذلك بمبالغ الحج؟

ويعتبر أنه إن نوقش هذا الأمر بهذا المنطق، "فلن نكون بحاجة إلى تحقيق الملف المطلبي وإلى الدولة، لأننا سنكون قد حققناه بأنفسنا ولأنفسنا، حينئذ لن نكون بحاجة إلى إطلاق سراح معتقلينا، ذلك أن المعتقل الذي فتح اعتقاله نقاشًا مثل هذا وحسم لصالح المجتمع سيتمنّى المؤبد إن كان ذلك سيصب في خدمة المجتمع وتطوّره".

المساهمون