المغرب.. انتخابات محلية برهانات سياسية

28 اغسطس 2015

المغرب يترقب انتخابات 4 سبتمبر المحلية (Getty)

+ الخط -
يقتضي البحث عن معنى الانتخابات المحلية والجهوية التي ستجري في المغرب يوم 4 سبتمبر/أيلول المقبل إعادة تركيب سياقها السياسي والمؤسساتي والتشريعي. وهنا، لا بد من استحضار الإطار الدستوري الجديد، على الأقل من خلال الأبعاد التالية:
أولاً، الانتقال بضمانات نزاهة العمليات الانتخابية وسلامة الاقتراع وحياد السلطات العمومية، من مستوى الإرادة السياسية، المعبر عنها في أعلى الأصعدة، إلى مستوى الدسترة والتأصيل المعياري الذي يؤسس لشرعية التمثيل الديمقراطي.
ثانياً، الطموح الذي عبّر عنه دستور 2011 للانخراط في أفق مغربٍ للجهات، وفق رؤيةٍ ترابية، تعزز من صلاحيات الجهات، وتحاول إخراج الجهوية من لحظة التجريبية المترددة، ومن إطارها الإداري الضيق، وانحسار هامشها الديمقراطي أمام سلطات الوصاية.
ثالثاً، التعزيز الدستوري لمُجمل منظومة الديمقراطية المحلية، عبر استيعاب الآليات الرائدة في هذا المجال، كما هو الحال في مبادئ التدبير الحر والحكامة والتفريع.
رابعاً، الانتباه، من خلال التنصيص على آليات تشاركية للحوار والتشاور حول القرار المحلي والجهوي، إلى الإمكانيات التي تفتحها المزاوجة بين التمثيل الديمقراطي والمُشاركة المواطنة والمدنية في الشأن المحلي، في إعادة امتلاك المواطنين الفضاء العمومي "المحلي". وبالتالي، فرضية تحويل "المحلي" إلى نقطة انطلاق لعملية بناء ديمقراطية من "تحت".
من شأن التذكير بالمرجعيات الدستورية لهذا الاقتراع كذلك أن يسمح بتأطير هذه الاستحقاقات، ضمن مُسلسلٍ مؤسسي، سيفضي إلى انتخاب مجلس المستشارين الجديد، وفقاً للتركيبة والصلاحيات الجديدة التي أقرها دستور2011، والذي حاول إعادة ترتيب التوازنات داخل البرلمان، لصالح الغرفة الأولى، كمجلسٍ يحظى بالأولوية على مستوى مسؤولية الحكومة، كما على مستويات التشريع والرقابة.

وهنا، من المهم الإشارة إلى أن الطموحات المعلنة للوثيقة الدستورية، في بناء مرجعيات جديدة للديمقراطية المحلية، لم تُسْتوعب، مع الأسف، بكل زخمها في لحظة الإنتاج التشريعي للنصوص المؤطرة للعمل الجماعي وللتنظيم الجهوي، حيث لاحظنا كيف ظل سؤال الوفاء لروح الدستور سؤالاً مهيكلاً للنقاش البرلماني والعمومي بشأن قوانين تنظيمية وقوانين عادية عديدة، ذات صلة بالموضوع.
معنى استحقاق 4 سبتمبر هو كذلك قياس التقدم على مستوى سؤال النزاهة الانتخابية، خصوصاً من خلال تجريب صيغة المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة والمسؤولية التنظيمية للإدارة الترابية، تعبيراً عن الإطار الدستوري الجديد للسلطة التنفيذية ولرئيس الحكومة.
سياسياً، وجود حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية، في سنتها الأخيرة، يمنح لهذه الانتخابات، على الرغم من طابعها المحلي، جُرعةً مُضافةً من الرهان السياسي المُعتبر، ولا شك، هنا، أن الصراع بين حزبي العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" يظل الجواب الأقوى على سؤال المعنى السياسي للاقتراع المرتقب.
الحزب الأول يخوضها، وهو يفكر في نتائج نوفمبر/تشرين الثاني 2011، باحثاً عن تكريسه قوة سياسية أولى، على الأقل من حيث عدد الأصوات في المجال الحضري، في مقابل حزب الأصالة والمعاصرة الذي يدخلها، وهو يفكر في نتائج يونيو/حزيران 2009، بمنطق تأكيد نتائج آخر اقتراع محلي وجهوي.
ولأن بين 2009 و2011، توجد 20 فبراير(عنوان الحراك المغربي)، فإن الاستراتيجية السياسية لحزب العدالة والتنمية تبنى على اختزال الصراع الانتخابي في تقاطب سياسي حاد مع "الأصالة والمعاصرة" لترسيخ "صورته" مُواجهاً شرساً لما يسميه "التحكم السياسي".
من جهته، يبني "الأصالة والمعاصرة" استراتيجيته على ترسيخ "صورته" باعتباره الحزب الوحيد القادر على مواجهة ما ينعته بتيار "الإسلام السياسي"، على الرغم من أنه لا يبدو دائماً مقتنعاً بأن التموقع في مواجهة ثنائية، ذات شُحنة إيديولوجية، مباشرة مع "العدالة والتنمية"، مسألة مُربحةٌ له، بالضرورة، سياسياً وانتخابياً.
وبعد هذا، أو قبله، ألا يشكل حجم المشاركة رهاناً أساسياً لهذه الانتخابات؟ بقليلٍ من التنسيب، يمكن أن أُجيب، عكس الرّائج، لكي أقول إنني لا أعتقد ذلك. ليس حجم المشاركة رهاناً حاسماً لهذه الانتخابات، فنحن لسنا في أجواء ما بعد الحراك المغربي للعام 2011، وأطروحة المشاركة تبدو سائدة داخل المشهد السياسي خارج الاسثتناءات المعروفة، ثم إن طبيعة الاقتراع المحلي نفسها تضمن، موضوعياً، شروطاً أفضل للتعبئة وللمشاركة، فضلاً عن أن مسألة العزوف الانتخابي لم تعد لها تلك الهالة الدراماتيكية. ولذلك، هي غير قابلة لكي تُؤٓوٓلٓ بالضرورة عجزاً في الشرعية السياسية للنظام ومؤسساته. وهذا كذلك هو الجزءُ المهم في معنى 4 سبتمبر/أيلول 2015.

2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي