المسلسلات السورية: غياب المحلية وغرقٌ في المشتركة

المسلسلات السورية: غياب المحلية وغرقٌ في المشتركة

01 ابريل 2020
الممثلة السورية منى واصف (الصبّاح للإنتاج)
+ الخط -
راهنَ الجمهور السوري على شركة "إيمار الشام" مذ أُنشئَت في أن ترتقي بالدراما السورية، وتقدم محتوىً يليقُ بهذه الدراما ذات الباع الطويل بالنجوم والقصص الغنية بالتفاصيل والرسائل السامية، وذلك بعدما اختفت هذه المعايير وأصبحَ كلّ مَن هَبَّ وَدَبّ يعمل في مجال السيناريو والإخراج. 

في أولى أعمالها، قدمت الشركة مسلسل "شوق"، من بطولة نسرين طافش وسوزان نجم الدين وباسم ياخور ومنى واصف وجوان خضر، أخرجته رشا شربتجي وكتبه حازم سليمان، وتطرَّقَ المسلسل لأحداث الحرب السورية بما يتخللها من معاناة نفسية واجتماعية ألقت بظلالها على شخوص القصة، إلا أن العمل بِيعَ بنسخة أولى على قناة OSN الأولى قبل عرضه بنسخة ثانية في رمضان 2017، حيث إن المخرجة لم تلحقِ المدة وتكمِل التصوير تزامناً مع انتهاء عرض العمل على OSN. في حين جاء رمضان بنسخة ثانية للقصة لا تحوي نهاية مفتوحة كما الأولى وبثلاثٍ وثلاثين حلقة، لكن العمل لم ينتشر على القنوات العربية، وفشلت الشركة في تسويقه برمضان، ليُعرَض فقط على القنوات السورية، في حين عرضته بعض القنوات اللبنانية، بالإضافة لقناة مصرية واحدة هي LTC، ما يدلُّ على أن الشركة في الأساس لم تكن قد وضعت خطة مسبقة للتسويق لأعمالها. وبعد ذلك في عام 2018، راهنت الشركة على نص للكاتب ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، ودفعت ميزانية كبيرة ليتم تصوير "الواق واق" في تونس، وغنى الشارة "القيصر" كاظم الساهر. لكن الوضع كان أسوأ من قبل، إذْ لم يُبَعِ العمل لأي قناة، ما اضطرَّ الشركة لفتح قناة سورية رديفة لها هي قناة "لنا"، لتعرض العمل حصرياً على شاشتها، وتنطلق بعدها القناة ببرامج وأعمال خاصة، لكن بشكل عشوائي غير مدروس حتى اليوم.

في الحكاية الأخيرة لـ"إيمار الشام"، كان هناك مسلسلان: هما "كونتاك"، وهو عبارة عن لوحات كوميدية منفصلة للأبطال أنفسهم، بالإضافة لمسلسل "مسافة أمان" الذي أخرجه أيضاً الليث حجو عن نص لإيمان السعيد ورامي كوسا. ووقعت "إيمار" في معضِلة التسويق نفسها، حيث بِيعَ "مسافة أمان" في اللحظات الأخيرة قبل دخول شهر رمضان لقناة LBC فقط، وبقي "كونتاك" حبيس قناة "لنا" حصراً، ولم تفلح الجهود ببيعه. كما أثارت إحدى لوحاته بلبلة كبيرة، بخصوص قضية استخدام السلاح الكيميائي في سورية، واتهام "الخوذ البيضاء" بفبركة هذه الأحداث.

رغم ذلك، كان في جعبة الشركة كرتان رابحان، هما "شوق" و"مسافة أمان"، كونهما حققا نسبة مشاهدات عالية جداً في رمضان، وما بعده أيضاً، وعلى يوتيوب، ما يعني أنَّ "إيمار" قادرة على تقديم محتوى لائق، لكن تنقصها خطّة تسويق شبكيّة، وآلية فهم للسوق الحالي.

منذ شهرين تقريباً، وبدون سابق إنذار أو مؤتمر صحافي، قررت الشركة إنتاج مسلسل شبابي بعنوان "بورتريه"، كان قد كتبه تليد الخطيب، وبسبب الميزانية المخفضة التي تحاول الشركة أن تتبعها، عمدت للاعتماد على الشباب بعدما استنفدت أجور النجوم إمكانياتها. فلجأت الشركة للمخرج الشاب السدير مسعود الذي لم يخرِج حتى الآن أي عمل تلفزيوني، لتكون هذه الخطوة الأولى له. لكن متطلبات السدير لم تتلاءم مع الشركة، فهو كان حريصاً على أن يظهر العمل بأبهى صورة، لكن عراقيل كثيرة وضعتها بوجهه ديانا جبور، المديرة العامة للشركة، في محاولة لتخفيض الأجور قدر الإمكان. فكان التعامل معه فظاً، ما أدى إلى انسحابه من المسلسل بشكل نهائي. ولم تصدِر الشركة أي بيان عن ذلك. كما لم تكترث لأمر السدير الغاضب من هذا التصرف المسيء والإهمال بحقه. بل اتجهت للمخرج باسم السلكا، الذي قدّمَ مسلسل "العميد" كأول تجربة إخراجية له، واتفقت معه على البدء بتصوير العمل دون تقديم أي اعتذار للسدير، ما يوحي بأن هناك سوءاً ما في التقدير وبإدارة الشركة. إذْ يتضح من هذه الخطوة المتسرعة في إنجاز عمل رمضاني واستبدال مخرج بآخر في غضون أيام بعد إصدار بيان رسمي بانضمام السدير، و دون تبيان أي اعتذار من الشركة بعد انسحابه، أنها ما زالت متخبطة في تصدير صورتها الصحيحة وتقديمها لآلية عمل جيدة تسعى فيها للوصول إلى شبكة علاقات قوية وقنوات عربية توصِل إليها أعمالها، فالخطأ ذاته يتكرر إذن دون أن تتغير صيغة العمل أو خطته.


أما العمل فهو شبابي بحت تدور أحداثه في زمنين، بين بداية التسعينيات والعصر الحالي، ما يجعل الموضوع صعباً إخراجياً، ويلعب بطولته من النجوم كلٌّ من: سيف الدين سبيعي، جلال شموط، فادي صبيح، سليم صبري، نجاح سفكوني، تولين البكري، مديحة كنيفاتي، في حين يتصدى للبطولة الفنانون الشباب: جفرا يونس، نوار يوسف، ترف التقي، هاڤال حمدي، أكثم حمادة، يزن خليل، سارة الطويل وغيرهم. 

ولا شكّ أن الشباب السوري أثبتَ جدارته الفنية في الأداء تحديداً بالموسم الماضي، 2019، الذي صدّر مجموعة نجوم شباب يُعوَّل عليهم بقوة، مثل: لين غرة، ريام كفارنة، نور علي، إيهاب شعبان، فارس ياغي، أنس طيارة، وغيرهم من الأسماء التي تثبت نفسها بقوة في عالم التمثيل، لكن السؤال هو عما إذا كانت الشركة قادرة على تسويق العمل على أسمائهم، فمن الواضح أن النجوم السوريين بالأساس لم يعودوا قادرين على استقطاب القنوات العربية، ولم يعد يهم هذه القنوات أن تعرض الأعمال السورية الخالصة، وذلك في رسالة واضحة لمحاربة هذه الدراما التي كانت يوماً مسيطرة على كافة المحطات. لكن اليوم يختلف السوق الإنتاجي والتسويقي، فالسيطرة للأعمال المشتركة حالياً بقصة سطحية أو مضمون غير قوي أو قالب أجنبي مُعَرَّب، ويعتمد على "نجم سوري - فنانة لبنانية"، ما يجعلنا أيضاً نُصدَم من قرار الشركة في اتخاذ هذه الخطوة بتصوير وتصدير عمل شبابي قد لا يتم تسويقه ولا تشتريه القنوات لعدم وجود أسماء "بَيّيعة" فيه، مع أن الفنانين الشباب المشاركين في العمل هم أكاديميون ويمتلكون أسس الأداء السليم، إنما للأسف ينقصهم الوجود ضمن بيئة مناسبة تدعمهم في ظل التهميش الحقيقي للدراما السورية، لذلك يلجأون في غالب الأحيان للدراما المشتركة اضطرارياً لترتفع أسهمهم. 

حتماً يهمّ الجمهور السوري دعم فنانيه الشباب، ويهمه أيضاً أن يشاهد عملاً سورياً خالصاً بعيداً عن الأعمال المشتركة ذات المحتوى الهش، لكن شركات الإنتاج السورية، ومنها "إيمار"، لم تستطع بعد فهم الأسلوب الذي يمشي عليه السوق الإنتاجي الحالي، ليتم توسيع رقعة انتشار هذه الأعمال، وإعادة الدراما السورية للصدارة. ولكن يبقى رمضان القادم هو الحَكَم والمفصل في توضيح عقلية الشركة أكثر، وما إذا كانت قادرة على عرض "بورتريه" على قنوات عربية مهمة مع هؤلاء النجوم الشباب، أم سيظل العمل رهينةَ قناة "لنا" والقنوات السورية المحلية، علماً أن "بورتريه" توقّفَ تصويره أخيراً حرصاً على عدم تفشي فيروس كورونا بعد الإعلان عن إصابات في سورية في الفترة الأخيرة.

دلالات

المساهمون