المرأة التونسية نصفٌ سياسيّ لا يكتمل

المرأة التونسية نصفٌ سياسيّ لا يكتمل

08 مارس 2014
تونسيات صنعن ثورة ويبحثن عن حقوق
+ الخط -

خرجت ورفضت وثارت وصرخت واعتصمت، من ميدان القصبة إلى ميدان الرحيل بباردو، لكنها لم تجنِ ثمار ثورتها، وما قدمته من تضحيات جسام لإعلاء راية الحرية والديموقراطية واحتلال المواقع الريادية.

ولمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، يطفو على سطح مخاوف المرأة التونسية حضورها "المخجل" في المشهد السياسي وحقوقها التاريخية التي تضمّنها قانون الأحوال الشخصية.

نساء ونصف...

تعدّ النساء في تونس أكثر من نصف السكان بقليل، مع حضور نوعي وكمي في الكثير من القطاعات كالتعليم والصيدلة والطب والمحاماة، ومع ذلك لا يعكس تواجدهن في مواقع القرار والتسيير حجمهن العددي ومستوى الكفاءة والخبرة التعليمية والعلمية. تحتفل نساء تونس وثلاث نساء فقط على رأس الأحزاب من بين أكثر من 160 حزب سياسي، هنّ: ميّة الجريبي أمين عام الحزب الجمهوري، وآمنة منصور القروي رئيسة الحركة الديموقراطية للإصلاح والبناء، ومريم منور رئيسة الحزب التونسي.

الدستور يضمن الحقوق لكن الواقع يتأخر عن المواد الدستورية


يذكر أن تونس سجلت، بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، انتخاب 59 امرأة في المجلس الوطني التأسيسي من بين 217 نائباً، أي ما يمثل 27% من أعضاء المجلس. هذا الرقم، وإنْ كان الأعلى بين العديد من الدول، إلا أنه بقي مخيّباً للآمال في ضوء تطلّع عدد كبير من التونسيين إلى فرض مبدأ المساواة. ورغم الدفع بمسألة "التناصف" في القوائم الانتخابية، إلا أن معظم المترشحات من النساء لم يترأسن تلك القوائم، فوجدت العديد منهن أنفسهن وقد استثنين، رغم منسوب الاندفاع والحماس الذي عرفته المرأة إبان الاستعداد للاستحقاق الانتخابي.

وتعتقد روضة المشيشي، الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، أن مبدأ التناصف لم يجرِ تكريسه في تونس، معتبرة أن نسبة تمثيل المرأة داخل المجلس الوطني التأسيسي لا تعكس هذا المبدأ، ورأت أيضاً أن الوجود، "المحتشم جداً"، على رأس الوزارات، على امتداد الحكومات التي تلت الثورة، لم يرتقِ لطموح الشعب التونسي. واقترحت، في هذا الباب، التأسيس لمنظومة قانونية تكرّس المساواة بين الجنسين، داعية إلى التفكير في بعث آليات تلزِم النُظُم السياسية بتطبيق القوانين المنصوص عليها لصالح المرأة تتيح فرصاً أكبر لوجودها في مواقع القرار.

ضُمّن الدستور الجديد مبدأ المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، حيث تنص المادة العشرون منه على أن "جميع المواطنين والمواطنات يتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها، فهم متساوون أمام القانون دون أي تمييز"، وبفضل هذه المادة يصبح القانون الرئيسي لتونس الأكثر تقدماً من بين الدول العربية الأخرى بالنسبة للمساواة بين الجنسين. ووسط جدل واسع بين نواب التأسيسي أثناء المصادقة على الدستور، تم إقرار مبدأ التناصف بين الجنسين في المجالس المنتخبة. وجاءت صياغة الفصل 45 من باب الحقوق والحريات، على النحو التالي: "إن الدولة تضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات"، كما "تسعى الدولة إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة"، و"تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة".

ورغم هذا التضمين الدستوري لمبدئي التناصف والمساواة، فإن عدداً من النساء الناشطات في الحقل "الجمعياتي" والسياسي، يرين أن الضغوطات المسلطة على المرأة وإقصائها من المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية وحرمانها من مراكز القيادة والسيادة في عدد من المجالات وخاصة منها السياسية والاقتصادية، ما زالت متواصلة. ويرى عدد من الملاحظين أن تهميش المرأة وإقصائها من مراكز القرار زاد بعد الثورة، حيث لا توجد والية (محافِظة) واحدة ضمن قائمة الولاة الجدد مثلاً، الذين جرى تعيينهم بعد تولّي مهدي جمعة رئاسة الحكومة.

آمنة القروي تترشّح للرئاسة لأن وجود المرأة في المشهد السياسي ضرورة

سلسبيل القليبي، أستاذة القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس، ترى أن المرأة التونسية حُرمت من التمتع بحقها في الحياة السياسية كاملة، ومن تولّي مراكز القرار. وأكدت القليبي أن المرأة هي وحدها القادرة على إخراج تونس من أزمتها الحالية، مدلّلة على قولها بقدرة المرأة التونسية، وبغض النظر عن مستواها التعليمي والاجتماعي، على إخراج عائلتها وأسرتها من أعتى الأزمات الاقتصادية والمالية وإيجاد حلول سريعة ومنافذ جديدة للحصول على مورد رزق لها ولأفراد أسرتها. وشددت القليبي على ضرورة فتح المجال أمام المرأة لتتولى مناصب مهمة مثل رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.

وفي هذا الإطار، قالت آمنة منصور القروي، رئيسة الحركة التونسية للإصلاح والبناء وأول امرأة تونسية تعلن رسمياً عن ترشحها لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات القادمة، إن وجود المرأة في الحقل السياسي ضروري ويقطع مع عقلية انفراد الرجل بهذا المجال.

على طريق القيادة

من أبرز الملاحظات التي أتت على لسان القيادات السياسية النسوية في المجلس الوطني التأسيسي، ضرورة خلق مناخ مناصر لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة خاصة بعد دسترة مبدأ التناصف والمساواة.

فقد دعت الجمعيات التونسية إلى اعتماد مبدأ التناصف الأفقي والعمودي في القوائم الانتخابية، وتوظيف مختلف الوسائط الإعلامية لتشجيع المرأة على الانخراط في الحياة السياسية ومواقع القرار ونشر نماذج مضيئة لنجاحات نسائية في المجال السياسي والمواقع القيادية إلى جانب تشكيل الشبكات والتحالفات التي تربط النساء حول القضايا ذات الصلة.

كما كان النسيج المدني المشارك في عدد من الندوات ذات العلاقة بموضوع المرأة والمشاركة في الحياة السياسية ومواقع القرار، قد أوصى بضرورة تهيئة المرأة لتكون فاعلة في الحياة السياسية ومواقع القرار بتدعيم تكوينها في هذا المجال وتدريبها على تقمّص الأدوار السياسية والقيادية وعلى آليات التفاوض الاجتماعي، وإيلاء أكثر ما يمكن من الاهتمام بالمرأة الريفية وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً للنهوض بوضعها باعتبار أن الفقر والأمية من أبرز العوائق أمام مشاركتها في الحياة العامة والسياسية.

المساهمون