المدن الذكية.. مستقبل العمران العربي

المدن الذكية.. مستقبل العمران العربي

07 مارس 2017
+ الخط -


تُعتبر المدينة الذكية فضاءً معرفيًا، رقميًا ومحافظًا على البيئة يعتمد استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الإدارة، والصحّة، والأمن، والنقل، والماء والطاقة، مع تقديم خدمات حديثة وجيّدة للمواطنين تسعى لإرضائهم وتعزّز شعورهم بالانتماء والسعادة.

ومع ما يعيشه العالم من تزايد سكاني، وتهديدات أمنية، وعولمة اقتصادية، وتقدّم تكنولوجي، وتنافس في الأسواق، وسرعة في اتخاذ القرارات، أصبحت المدينة الذكيّة ملاذًا قادرًا على مواكبة هذه التطوّرات، بل استباقها من حيث التخطيط والتنبؤ عبر التحلّي بمستلزمات ومفاتيح النجاح التي تجعل المدينة فضاءً للتعايش الآمن، والتقدّم الاقتصادي، وجودة الحياة وكذلك صديقًا للبيئة.

وعلى هذا النحو، فالمدينة الذكيّة تجسّد منظومة شاملة ومتكاملة لإدارة منطقة جغرافية تحتاج إلى التقنيات التكنولوجية كالشبكات عالية السرعة، وشبكات الألياف البصرية، وشبكات الاستشعار والشبكات السلكية واللاسلكية، وتقنيات السحابة الإلكترونية، بالإضافة إلى التطبيقات الذكيّة للهواتف المحمولة والخدمات المتنوّعة للإنترنت، ما يحسّن التقدّم العمراني في جميع مناحيه الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية.

فالمدينة الذكيّة تدعم التنمية الاقتصادية وتشجّع على الاستثمار من خلال ترشيد الموارد كالماء والكهرباء والإدارة الفاعلة في حركة المرور ومكافحة الجريمة، فضلاً عن السكن وجمع النفايات.

وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن المدن الذكيّة تحقق نجاحات كبيرة فمدن كأمستردام، هلسنكي، سيول وبرشلونة كلها مدن متقدمة جدا في مواجهة التوسع العمراني، والتزايد السكاني، وإدارة الموارد الطاقية ومسايرة التطور التكنولوجي.

وتعتمد هذه المدن على تجهيزات تكنولوجية هامّة، فالمنازل بها متحكّمة في الطاقة وتوظّف ربوتات لتسهيل أشغال البيوت، مع استعمال كبير للطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والريحية وإعادة تدوير المياه بغرض الحفاظ على البيئة.

علاوة على ذلك، تلجأ هذه المدن إلى تطبيقات تكنولوجية ذكية كنظام التموضع العالمي الذي يصل وسائل النقل بتطبيقات ميسّرة للتنقل ومبيّنة للأماكن والمؤسّسات الموجودة بالمدينة، علاوة على غزو السيارات الكهربائية للأسواق والحاجة الماسّة لمحطات شحن هذه النوعية من السيّارات، كما أنها مجهّزة بأدوات للاستشعار ترصد الجرائم والمخالفات لاستتباب الأمن في المدينة بما يؤهّلها لاستقبال السياح وجلب الاستثمارات.

فالعديد من التقارير الدولية تشير إلى أن قيمة صناعة المدن الذكيّة ستصل إلى أكثر من 400 بليون دولار سنة 2020، وأن سكان المدن سيشكّلون سنة 2050 ما يقارب %80 من سكان العالم، كما أن المدن الذكيّة توفّر فرصاً استثمارية كبيرة عبر تزايد عدد الوحدات السكانية وحاجاتها إلى شبكات متطوّرة للبنية التحتية.

عربيًا، عانت المدينة من آفات اجتماعية واقتصادية كبيرة في فترة ما بعد الاستقلال، فالاكتظاظ السكاني الناتج عن التزايد الديموغرافي والهجرة القروية ساهما في بروز ظواهر أخرى كالبناء العشوائي، وتنامي الجريمة وانتشار الفقر، والتهميش والبطالة، بالإضافة إلى التلوث وضعف البنية التحتية.

وقد سعت العديد من الدول العربية لإرساء مدن ذكيّة تواكب الركب الحضاري العالمي من خلال تحسين رونق المدينة عبر الإبداع وإشراك المواطنين في تنميتها، لكي تضمن حياة كريمة للمواطنين من خلال صياغة سياسة شاملة للمدينة توضح توجهاتها المستقبلية وتحدّد أهدافها المرجوة مع العمل على توافق رؤى جميع فرقاء المدينة من مسيرين حكوميين، وفاعلين اقتصاديين ومؤسّسات المجتمع المدني لوضع خطط عمرانية محكمة قادرة على تحقيق تنمية مجالية وإدارة الأنشطة الميدانية كالتعليم، والنقل، والتجارة والترفيه.

وقد كانت دولة الإمارات العربية المتّحدة سبّاقة إلى تخطيط المدن الذكيّة، وأطلقت أولى المبادرات سنة 2007 في دبي، ثم تلتها دول خليجية أخرى كقطر والمملكة العربية السعودية وانتقلت فيما بعد مشاريع المدن الذكية إلى مصر والأردن والمغرب. وتناولت بعض التقارير الاتجاهات المستقبلية للمدن الذكيّة بالعالم العربي، من بينها التقرير الصادر عن إريكسون الخاص بمؤشّر المدن الذكيّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالاعتماد على 28 معيارًا تتعلّق برصد الإيجابيات التقنية ونظم الاتصالات في كل مدينة، فيما اعتمدت نتائج المؤشّر على عاملين؛ الأوّل يختصُّ بمستوى نضوج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والثاني يختصُّ بالمنافع المتولّدة عن الاستثمار في قطاع التقنية ذات العلاقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وجاءت إمارة أبوظبي في المركز الأوّل في ترتيب المدن الذكيّة تبعًا لهذه المعايير، خاصّة مع تحويلها 1000 خدمة حكومية إلى خدمة ذكيّة تيسّر الأمور على المواطنين، وحلّت إمارة دبي في المركز الثاني والدوحة في المركز الثالث.

ويتطرق التقرير إلى أن 60 في المائة من سكان المنطقة العربية سيقطنون في مدن ذكية بحلول سنة 2030، كما يوضّح أن ميزانية البنية التحتية للمدن الذكيّة بمنطقة الخليج العربي ستفوق 65 مليار دولار سنة 2018 من إجمالي 2 تريليون دولار كميزانية عالمية.

وختامًا، فإن الزيادة السكّانية المتواصلة والتحديّات الكبيرة للمدينة، تجعل من المدن الذكيّة ضرورة استراتيجية بالنسبة للدول العربية لإقامة اللامركزية وتطوير الهياكل المجتمعية مع وجوب الحفاظ على هويّة المدينة الثقافية والإنسانية لتعزيز مشاعر الانتماء لها.

المساهمون