المحتالون يعودون إلى القاهرة

المحتالون يعودون إلى القاهرة

12 فبراير 2014
+ الخط -

إعداد ـ رشا أبو زكي

"المحتالون يعودون إلى القاهرة"، تحت هذا العنوان خصصت المجلة الأميركية المعروفة "فورين بوليسي" تحليلاً مطوّلاً عن فتح الحكومة المصرية الباب أمام رجال أعمال كبار ومليارديرات مقربين من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك لشراء عودتهم إلى مصر. 

يستعرض التحليل الصفقات المالية ـ القضائية التي يعدّ لها عدد من كبار رجال الأعمال المصريين الفارين من مصر عقب قيام ثورة 25 يناير 2011 واسقاط مبارك.

صفقات تعيدهم إلى البلد الذين قاموا بسرقته، وفي الوقت نفسه تقيهم من الملاحقات القضائية المحلية والدولية.

التحليل المنشور على الصفحة الأولى في موقع مجلة "فورين بوليسي"، يبدأ من ثورة يناير 2011 حيث يقول:

خلال اكتظاظ الشوارع بالحشود في جميع أنحاء مصر خلال ثورة عام 2011، والتي أطاحت بالحكم الاستبدادي لحسني مبارك، لم يتدافع السياسيون والجنرالات لحماية مصالحهم فقط. فمع ترنّح النظام القديم، حزم كبار رجال الأعمال المرتبطين بالنظام حقائبهم وهرّبوا ملياراتهم وفرواً من البلاد. 

واحد من الفارين هو حسين سالم، الذي كان يلقب بـ"أبو شرم الشيخ"، كونه يمتلك عدداً كبيراً من الفنادق في المنتجع السياحي الساحلي في المدينة. كما حقق سالم المليارات من الدولارات في مجال الطاقة والأسلحة وصناعة السياحة في مصر خلال عهد مبارك، وكان مقرّباً من الرئيس السابق، لا، بل قاما باستثمارات مشتركة، وفق وثائق حصلت عليها "فورين بوليسي". 

التحالف مع مبارك كان مربحاً بالنسبة لسالم:

 في أوائل العام 2000، منحه مبارك احتكار تصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل وإسبانيا.

استخدم سالم هذه الصفقة لبيع الغاز بأسعار أقل من أسعار السوق لسنوات، وفقاً لحكم المحكمة المصرية، ما كلّف البلاد أكثر من 700 مليون دولار من الخسائر.

لم يعد سالم إلى مصر منذ سقوط مبارك، والسبب وجيه.

خلال مرحلة ما بعد الثورة المصرية، تطلّعت مصر لاسترداد الملايين من الدولارات التي سرقها مبارك وأعوانه.

وركزت سلسلة من القضايا المعروضة أمام المحاكم المصرية، على الممارسات التجارية والصفقات الفاسدة التي أبرمها سالم وعدد من أفراد عائلته.

في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011، وجد القضاء المصري أن سالم وابنه خالد وابنته ماجدة مذنبون في قضية تحقيق مكاسب غير مشروعة في صفقات بيع الغاز. أما الحكم فهو السجن لمدة 7 سنوات.

في حزيران/ يونيو من العام 2012، تمت إدانة سالم في بيع الغاز لإسرائيل بأسعار تقل عن أسعار السوق، وحكم عليه بالسجن غيابياَ لمدة 15 عاماً، على أن يدفع مع المتهمين الآخرين 412 مليون دولار غرامة.

حسين سالم، يحمل الجنسية الإسبانية، مما أتاح له مراوغة النظام القانوني المصري، فهو يعيش حالياً في مايوركا في إسبانيا، ومطلوب من الانتربول مع ابنه وابنته.

ورغم ذلك، رفضت المحاكم الإسبانية تسليمه إلى مصر، لأنه لا توجد بين البلدين اتفاقات تعاون ثنائي في المجال القضائي أو القانوني، ولا تثق المحاكم الإسبانية بنزاهة الإجراءات القانونية في مصر.

ولكن للمرة الاولى منذ الاطاحة بمبارك، ثروة سالم ـ وغيرها من ثروات رجال أعمال عهد مبارك ـ قد تتجه للأفضل.

إذ منذ أن أسقط العسكر الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/ تموز الماضي، زادت سعادة سالم وبدأ يخطط لعودته إلى القاهرة، وفق ما يقول محامي سالم، وهو طارق عبد العزيز، لـ"فورين بوليسي". 

فقد أجرى الملياردير المقرّب من مبارك، في يناير/ كانون الثاني الماضي، اتصالاً بأحد أكثر البرامج التلفزيونية شعبية في مصر، وعرض صفقة على الحكومة المدعومة من الجيش: "إلغاء الأحكام التي تدينني، وفي المقابل سأقدم ملايين الدولارات لمصر". 

المسؤولون المصريون رحّبوا علناً بالعرض الذي قدمه سالم.

"السيد حسين سالم ورجال الأعمال النبلاء الآخرين... مبادرتكم هي محل تقدير فعلي"، هذا ما قاله هاني صلاح، المتحدث باسم مجلس الوزراء، خلال مداخلة هاتفية علي القناة المحلية "سي بي سي".

ويضيف صلاح: "أي شخص يقترح عرضاً نبيلاً وجيداً، أقل ما يمكننا القيام به هو الاستماع إليه للحصول على الأفضل لصالح بلدنا الحبيب".

يتابع صلاح أنه منذ الإطاحة بمرسي، أصبحت مصر أكثر انفتاحاً على مبادرات "المصالحة"، وانه يتوقع من رجال الأعمال الهاربين اقتراح اتفاقات وعروض مماثلة.

ويمكن التوصل إلى اتفاقات تحقيق المصالحة، إما من خلال اللجان المعيّنة من قبل رئيس الوزراء ووزير العدل، أو أنها تتم بوساطة النائب العام، الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس المؤقت.

مع ذلك، يبدو تحقيق المصالحة أنه يعني أكثر قليلاً من إسقاط اتهامات بالفساد مقابل النقود.

إذ إنه خلال اتصال هاتفي يوم 9 يناير/ كانون الثاني، أعلن سالم أنه سيقدم للحكومة 360 مليون دولار لتعزيز مراكز الشرطة السياحية وتعزيز الكنائس والمساجد التي تضررت، وذلك في مقابل منحه حريته.

وهذا في الواقع يمثّل تراجعاً حاداً في حجم الصفقة بالمقارنة مع اقتراحه قبل الانقلاب العسكري، ففي مايو/ أيار  2012، قبل أن يصبح مرسي رئيساً البلاد، عرض سالم التنازل عمّا لا يقل عن نصف ثروته المقدّرة بـ1.6 مليار دولار، وفق محامي سالم، طارق عبد العزيز، في مقابل القيام بتسوية التهم الموجهة إليه.

بعد ثلاث سنوات من الاحتجاجات ضد هذا النوع من الأعمال القائمة على المحسوبيات والتي دمرت اقتصاد مصر، تتم حالياً دراسة تحويل الأشخاص الذين سرقوا البلاد إلى منقذين لوضعها المالي.

وعلى الرغم من مطالب المحتجين واسعة النطاق من أجل العدالة الاجتماعية، فقد شهدت مصر ما بعد الثورة تحسينات قليلة.

وبحسب منظمة الشفافية العالمية، احتلت مصر المرتبة 114 من 177 دولة وفق "مؤشر مدركات الفساد"، وانخفض موقعها فعلاً منذ العام 2011.

العلاقة بين كبار رجال الأعمال في عهد مبارك والحكومة المصرية انقطعت منذ فترة طويلة، كما انطلقت الملاحقات القضائية التي تستهدف هؤلاء من قبل الحكومة العسكرية المؤقتة التي تلت سقوط مبارك.

ولكن "المصالحة" قد تسمح للحكومة المدعومة من الجيش بإعادة الشبكات القوية ذاتها من رجال الأعمال الموالين، اي الشبكات ذاتها التي ازدهرت في ظل حكم مبارك.

هذه العملية "تفتح الباب أمام المزيد من الفساد والهروب من العدالة"، هذا ما تقوله غادة علي موسى، أستاذة العلوم السياسية التي ترأس "مركز الحوكمة"، وهو وكالة حكومية مكرّسة لمنع الفساد وتعزيز الشفافية. وتضيف: "سوف يكون (اتفاق المصالحة المرتقب مع سالم) النموذج المثالي لأشباه سالم".

رجال أعمال آخرون ارتبطوا بنظام مبارك يحضّرون أيضاً لعروض مصالحتهم. وزير التجارة الخارجية والصناعة في عهد مبارك، رشيد محمد رشيد، يجري مفاوضات مماثلة مع الحكومة، ومن المتوقع أن يطرح عرضاً هو الآخر.

 تقول موسى: رشيد، الذي حكم عليه بالسجن 20 عاماً غيابياً، وبـ330 مليون دولار على الأقل كغرامات على إهدار المال العام واستغلاله، فرّ إلى دبي خلال ثورة العام 2011.

توطيد السلطة من قبل القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي قد يزيد من عزم مصر على إنجاز التسوية.

وفي حين كان هنالك الكثير من الأعمال الحكومية التي تنتظر تحقيقها في ظل الحكومة المؤقتة، يمكن لرجل قوي في القصر الرئاسي وللبرلمان الجديد أن يقوموا بتحقيقها.

"سيكون هناك مناخ لتحقيق مثل هذه المصالحات".

 هذا ما قاله إبراهيم هنيدي، نائب وزير العدل المصري ورئيس هيئة الإثراء غير المشروع، وهي الهيئة المسؤولة عن التحقيق في الفساد.

ويضيف لـ"فورين بوليسي": "الأمر كله يتعلق بالعرض المقدم في مقابل تحقيق المصالحة، أيهما أفضل لمصر، المصالحة أم لا؟".

وعلى الرغم من أن سالم كان "من بين أسوأ" رجال الأعمال الفاسدين في البلاد، وقد تم إلزامه بدفع إحدى أكبر الغرامات، قال هنيدي، لكن الحكومة لا تزال مهتمة في التوصل إلى اتفاق المصالحة معه.

محامي سالم، طارق عبد العزيز، يعتقد أيضاً أن الوقت قد حان لتسوية خلافات موكله مع الحكومة المصرية. وقال إنه يعمل على عرض المصالحة الرسمي، والذي سيتم تقديمه إلى السلطات بعدما أطيح بمرسي. "متفائل جدا"، يقول المحامي ، "الآن، والحمد لله، هناك نظام قائم سيعتني بكل المصريين. اليوم لدينا نظام جديد.. نأمل أن يكون نظاماً عادلاً من شأنه تحريك الأمور إلى الأمام".

ونفى عبد العزيز أن يكون سالم مرتبطاً بمبارك خلال عهد الأخير.

وقال إن دوافع هذه الاتهامات سياسية.

ومع ذلك، تشير وثيقة مسرّبة من جهاز الكسب غير المشروع إلى أن سالم ومبارك ـ سوياً ومع رجال أعمال آخرين مرتبطين بالنظام القديم ـ استثمرا معاً في صندوق استثمار خارجي مسجل في جزر كايمان، وهي ملاذ المتهربين من الضرائب في منطقة البحر الكاريبي.

صندوق الاستثمار، الذي كان يسمى صندوق مصر، استثمر في 18 شركة مصرية في قطاعات الإسمنت، والبنوك، والعقارات، والحديد، والنفط، والغذاء، والصناعات الزراعية.

رئيسة علاقات المستثمرين في المجموعة المالية هيرميس، هانزادا نسيم، كتبت في رسالة بالبريد الالكتروني أن مصرفها أسس صندوق مصر في عام 1997. وعندما تم سؤالها عمّا إذا كانت هيرميس على علم بهوية المستثمرين في الصندوق، كتبت نسيم أن البنك كان على علم تام بالمستثمرين الذين لم تكن تُرتَبط بهم أي ادعاءات بارتكاب مخالفات حينها. 

اسما سالم ومبارك لم يكونا مدرجين "شخصياً" كمساهمين في الصندوق، إنما أدرجت الشركات المملوكة من قبل أبنائهم: شركة كليليا مملوكة من قبل خالد وماجدة سالم، استثمرت 3 ملايين دولار، وشركة بان الاستثمارية المملوكة لجمال وعلاء مبارك استثمرت 250 ألف دولار.

وهذا الصندوق قدم إعفاءات ضريبية كبيرة للمستثمرين فيه، فضلاً عن السماح لهم بحماية استثماراتهم وابعادها عن أعين المتطفلين.

سالم لم يخدع مصر فقط، فقد سرق الولايات المتحدة الأميركية أيضاً. في عام 1979، منحت شركته، الهيئة المصرية الأميركية العامة للنقل والخدمات (ايتسكو)، عقداً لشحن البضائع العسكرية من الولايات المتحدة إلى مصر.

 وجاء الاتفاق عقب اتفاقات كامب ديفيد، عندما بدأت المبيعات العسكرية الأميركية تغرق القاهرة، مما جعل الشحن من الأعمال التجارية المربحة.

سالم، مع ذلك، حاول زيادة أرباحه عن طريق فواتير وهمية قدمها لوزارة الدفاع الاميركية تتعلق بتكاليف شحن مبالغ فيها.

بين عامي 1979 و1981، وفقاً لوثائق محكمة أميركية، قدمت "ايتسكو" فواتيراً مزورة عن 34 شحنة. ما كبّد البنتاغون فارق بقيمة 8 ملايين دولار.

وفي عام 1983، تم إعلان سالم كمذنب في اتهامات جنائية في المحكمة الجزائية الأميركية في المنطقة الشرقية من ولاية فرجينيا. وبلغ مجموع الغرامات والدعاوى المدنية التي دفعها سالم والشركات المشاركة في المخطط أكثر من 4 ملايين دولار.

جاءت معظم ملايين سالم من صفقات أبرمها في "حبيبته " مصر، حيث حصل على معاملة تفضيلية من المتحالفين معه في المناصب العليا في الحكومة.

في أبريل 2011، شهد رئيس جهاز المخابرات في عهد مبارك عمر سليمان أمام النائب العام المصري أن شركة سالم، وشركة شرق البحر المتوسط للغاز، سُلّمت احتكار تصدير الغاز إلى إسرائيل والأردن وإسبانيا في عام 2000، متجاوزة عملية تقديم العروض المعتادة.

وطُلب سليمان للإدلاء بشهادته عن خدمات المخابرات المصرية وزعم أنها تشارك بدور الوساطة في عقد صفقات الغاز..

وقال سليمان إن سالم كان صديق مبارك لأكثر من 20 عاماً، وأن خبرته في التعاملات التجارية مع إسرائيل كانت السبب في اختياره لهذه الصفقة.

"تعامل مع الإسرائيليين في مشروع ميدور"، قال سليمان. سالم كان حينها رئيساً لشركة الشرق الأوسط لتكرير النفط، وهو مشروع مصري ـ اسرائيلي بدأ في عام 1993 لبناء مصفاة مشتركة على الساحل الشمالي لمصر وتمديد خط أنابيب النفط إلى إسرائيل.

بعد سبع سنوات، باع سالم 37 في المئة من شركة شرق البحر المتوسط للغاز بقيمة 4.2 مليار دولار وفقاً لموقع أخبار الأعمال الإسرائيلي.

ليس صعباً معرفة الأسباب التي تدفع سالم بقوة إلى تسوية الخلاف. فإذا رفضت مصر عقد صفقة مصالحة والتفاوض على تسوية تتسلم بموجبها سالم، فقد تفوز من جديد بأصوله المجمدة في سويسرا وهونغ كونغ وإسبانيا.

فالتسليم قد يسمح لمصر بإدانة سالم شخصياً، حيث إن دولاً عديدة ـ من بينها تلك التي خبّأ فيها سالم ثروته ـ تطلب حكماً نهائياً من هذا النوع كي تعيد أصوله المسروقة.

إذا تم تسليمه بنجاح إلى مصر، سيكون سالم ملزماً بدفع أكثر من 4 مليارات دولار من الغرامات والتعويضات، وسيبقى 22 عاماً في السجن.

صفقة المصالحة، من ناحية أخرى، ليس من شأنها أن تضع سالم مرة أخرى في حسن كرم الحكومة المصرية فقط، فإنها أيضاً ستضع حداً فعالاً للتحقيقات الأجنبية حول ما إذا كانت ثروته ناتجة عن مكاسب غير مشروعة.

"سيكون من الصعب جداً على السلطات السويسرية مواصلة الادعاء ضد حسين سالم إذا أسقطت السلطات المصرية التهم الموجهة إليه"، يقول أوليفييه ونشان، ضابط العلاقات المالية الدولية في إعلان المنظمات غير الحكومية السويسرية ـ برن. "لا يمكن مصادرة الأموال إلا إذا ثبت أنها غير قانونية".

الآن، بعد ثلاث سنوات من الثورة ضد عهد مبارك الذي كان قائماً على المحسوبية، يبدو سالم أقرب إلى هدفه من أي وقت مضى.

وفي عودته المثيرة للسخرية، يشيد سالم الآن بالحكومة المدعومة من الجيش في مكافحة التعاملات التجارية المخادعة نفسها التي، بالنسبة لكثير من المصريين، يجسّدها سالم. فعلى حدّ تعبيره في يناير/ كانون الثاني: "الآن انتهت حقبة الفساد والظلم".

المساهمون