اللقمة اللبنانية الأخيرة

اللقمة اللبنانية الأخيرة

13 نوفمبر 2014
+ الخط -

ليس جديدًا على لبنان أن تكشف فضائح المنتوجات الغذائية المنتهية الصلاحية، واللحوم الفاسدة، من وقت إلى آخر. إلا أن الجديد في الأمر خروج الجرأة إلى الضوء أول مرة، في المؤتمر الصحافي الزلزالي لوزير الصحة اللبناني، وائل أبو فاعور، والذي تخلّى عن عمومية الطرح، مفضلاً وضع النقاط على كل الحروف، وتسمية مؤسسات مساهمة بحدود متفاوتة في تسميم اللبنانيين، وفي اتخاذ بطونهم مستودعات مجانية لتصريف بضائع نتنة فاسدة، على صورة فساد طبقة سياسية، تستفيق موسميًا وانتقائيًا على هذه القضية، بحسب هوية المُصاب السياسي، فلولا تسمم رندا بري، عقيلة رئيس مجلس النواب اللبناني، قبل نحو عامين، لما كانت هذه القضية قابلة للتداول أصلاً، ولما كان متاحًا تسليط الضوء عليها مع كل انبعاث لروائح الفساد القاتل، وروائح جيف الضمائر الميتة!
 
بذلك، لم يعد يصح بهذه الواقعة، القاتلة لكرامة المواطن اللبناني قبل جسده، سوى عنوان "اللقمة اللبنانية الأخيرة"، انطلاقاً من أن اللقيمات الأولى لم تكن أكثر من جرعات مخدّرة أضاعت المواطن، حتى عن جرأته في رفض تناول السموم، فجارى تسييس اللقمة، إلى أن اكتشف، أخيراً، أن دولته، ومن خلال أطنان اللحوم والدجاج والألبان والأجبان والخضار الممزوجة "بالبراز البشري"، وفق تعبير الوزير أبو فاعور، إنما تعطيه اللقمة الأخيرة والقاتلة، في وطن فرّت منه لقمة الكرامة، وماتت فيه كرامة الإنسان في أدراج النسيان والإهمال الصدئة، والحُبلى بقضايا ومآسٍ لم يكتب لها ولأصحابها الانتصار.

والأنكى من هذا كله، في زحمة الهراء التي نعيش، وجود من لا يريد لهذه القضية أن تنتصر، فبدل أن يسبق السياسيون شعبهم إلى عين العاصفة في هذه القضية، نرى أن بعضهم اختار، من حيث لا يدري، تمثيل إعلانات مجانية لمؤسسات مشاركة بهذه الجريمة، من باب الإصرار والاستماتة، ربّما، على تصدير النقطة السياسية، أكثر من قضية المواطن وحقه في انتزاع اللقمة النظيفة في وطن المفاسد!
 
هي صورة واقعية عن المعنى المزدوج لدعوة أكل الهواء التي تريدها دولتنا، فأمام كل الغذاء المسموم، يصبح الهواء خيارًا حتميًا إلى جانب المعنى النابي الذي تنشده دولتنا لمواطنيها، عندما تزعج صرختهم المعنيين المنهمكين في كل القضايا والملفات، عدا قيمة الإنسان وسلامة غذائه.

عملياً، نأكل اللقمة اللبنانية الأخيرة، فالمطلوب وقفة ضمير أمام مواطن يذوق الأمرين، وينتهي به الأمر ضحية التسمم الغذائي، وهذه الوقفة الكل فيها شريك، الإعلامي الحر حامل هموم المواطن، كل من لا يرضى أن تُزهق أرواح أخيه ووالده وصديقه في بلدنا بأبخس الأثمان، والكبير والصغير وأي مواطن، والأهم القضاء اللبناني المطالب أمام هذا الملف بعدم التهاون، وإنزال أقصى العقوبات الممكنة بحق المقصرين والمهملين والمتلاعبين، فتجارة الموت ليست أقل من جريمة كاملة!

avata
avata
عمر الفاروق النخال (لبنان)
عمر الفاروق النخال (لبنان)