القضية الفلسطينية كما يراها السيسي: سفير بإسرائيل وحصار "حماس"

القضية الفلسطينية كما يراها السيسي: سفير بإسرائيل وحصار "حماس"

23 يونيو 2015
خيرت سيتواجد في تل أبيب خلال أيام(رسم: أنس عوض)
+ الخط -
قبل تصديق الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، يوم الأحد، على قرار يقضي بتعيين سفير مصري جديد في تل أبيب بساعات، أصدرت الرئاسة المصرية ثلاثة بيانات نُسبت للسيسي فيها تصريحات عن "أهمية مكانة القضية الفلسطينية في السياسة المصرية الخارجية، وأن السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط لن يتحقق إلّا بتسوية القضية، وأن التسوية تقوم على تأسيس دولة فلسطينية قادرة على الحياة على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967"، وذلك بمناسبة استعراض الرئيس المصري أعمال اللجنة الوزارية العربية لمتابعة الملف الفلسطيني.

بدت هذه التصريحات، بعد صدور قرار تعيين السفير حازم خيرت في تل أبيب وكأنها كانت تحضيراً استباقياً لهذه الخطوة، والتي تأتي بعد مرور نحو ثلاث سنوات من استدعاء الرئيس المعزول محمد مرسي للسفير المصري في تل أبيب بعد الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة. وعلى الرغم من أن مصر آنذاك هي التي رعت اتفاق الهدنة الشاملة بين "حماس" وإسرائيل، إلّا أنها لم تعد سفيرها إلى موقعه، الأمر الذي بقي على حاله طوال الفترة الماضية، حتى قرر السيسي كسر هذا الجمود بعد عام من حكمه.

اقرأ أيضاً: سفير مصري في إسرائيل: إجراء شكلي لتطوير العلاقات الأمنية 

تتزامن خطوة تعيين السفير المصري مع معطيات عدة، أبرزها هو سوء العلاقة المتفاقم بين حركة "حماس" والحكومة المصرية، والتي باتت تعتبرها "ظهيراً سياسياً لجماعة إرهابية داخل مصر"، في إشارة إلى الإخوان المسلمين.
وعلى الرغم من تدخل الحكومة قضائياً لمنع صدور حكم يعتبر حركة "حماس" جماعة إرهابية، إلّا أن هذا الأمر كان مجرد تحرك مؤقت للحفاظ على شعرة معاوية بين القاهرة وقطاع غزة.
الأحكام القضائية الغيابية لا تزال تنهمر من المحاكم المصرية على قيادات الحركة في قضايا مختلفة. وقطع النظام المصري علاقاته الدبلوماسية وتخلى عن دوره التاريخي في التقريب بين الفصائل الفلسطينية بانحيازه الواضح إلى سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودعمه اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، مقابل المساهمة في التضييق على "حماس" وحصارها سياسياً واقتصادياً داخل قطاع غزة. وهو الهدف الذي تلتقي عليه الآن سياسات إسرائيل ومصر.
القضية الفلسطينية في مخيلة السيسي وما يصوره للقوى الغربية أصبحت محصورة بين إسرائيل وحركة "فتح".
أما حركة "حماس" فهي في رأيه حركة داعمة للإرهاب وقائمة على انهيار مؤسسات الدول وإعدام كياناتها، وهي بذلك حركة غير شرعية ليست مؤهلة للتفاوض أو الدخول في حسابات دولية. ما يدلل على ذلك، كلمة السيسي الافتتاحية في مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، والذي استضافته مصر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي لم يسفر عن عوائد مالية واضحة حتى الآن.
يومها قال السيسي ما مفاده أنه يجب أن تبسط حكومة "فتح" سيطرتها على قطاع غزة والضفة الغربية بالكامل، حتى يسهل التحكم في المساعدات الواردة إلى الشعب الفلسطيني.
في المقابل، فإن السيسي ليست لديه مشكلة مع إسرائيل. إنه أحد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي سارع إلى تأكيد عدم إمكانية مراجعة معاهدة السلام بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. كما أنّ السيسي من الذين يعتقدون بأن تكون القدس المحتلة عاصمة مقسمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو ما لم يكن رؤساء وقادة مصريون سابقون يجرؤون على البوح به أمام الرأي العام، بما في ذلك الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي كان يدعو لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وليست "على حدود 4 يونيو/ حزيران".

وفي ظل استمرار تطور علاقات مصر وإسرائيل اقتصادياً، لا سيما في مجال الطاقة حيث تم تفعيل اتفاق استيراد مصر للغاز من شركة إسرائيلية عبر شركة إسبانية وسيطة في نهاية عام 2017، فإن الصلات بين البلدين مرشحة للانتعاش في ظل إعادة السفير المصري إلى تل أبيب، خصوصاً على الصعيدين الأمني والاقتصادي. وهما الطرفان الأساسيان للعلاقة بين البلدين في وقت جمود المفاوضات حول القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من التاريخ العدائي الطويل المكتظ بقضايا التجسس بين جهازي الاستخبارات في البلدين، إلّا أنه من المعروف وجود تبادل معلومات أمني مستمر منذ عهد مدير الاستخبارات المصرية الراحل عمر سليمان، بشأن قطاع غزة والأنفاق الحدودية والمعابر والمناطق منزوعة ومحدودة السلاح في سيناء. وتزايد هذا التبادل المعلوماتي أهمية وحيوية مع تسارع وتيرة "الحرب على الإرهاب" التي تشنها مصر على مجموعات متشددة في سيناء، وأخلت من أجلها الشريط الحدودي مع قطاع غزة ومدينة رفح بالكامل. وهو ما باركته إسرائيل التي أبلغتها مصر قبل الدفع بطيرانها الحربي في المنطقة.
وعلى الرغم من أنّ ترويج بعض وسائل الإعلام التابعة لنظام السيسي لمعلومة أن "تعيين سفير مصري جديد لدى إسرائيل لا يعني بالضرورة عودته إلى تل أبيب"، إلّا أن مصادر دبلوماسية أكدت لـ"العربي الجديد" أن السفير الجديد حازم خيرت سيتواجد في تل أبيب خلال أيام لتقديم أوراق اعتماده، وأن الخارجية المصرية أبلغت نظيرتها الإسرائيلية بذلك رسمياً".
شخصية السفير تحمل، كما توقيت التعيين، دلالات على الدور الذي سيؤديه ومدى قرب تل أبيب سياسياً من القاهرة في اللحظة الراهنة.

حازم خيرت كان مساعداً لوزير الخارجية الحالي سامح شكري للشؤون القنصلية، والذي يعد منصباً مهماً في الخارجية المصرية. وهو (قريب) السفير إسماعيل خيرت، شقيق زوجة الوزير شكري، وسفير مصر الحالي في اليابان. خيري أيضاً شقيق السفير إبراهيم خيرت، ووالد وعم عضوين في السلك الدبلوماسي.
لا يمكن لعائلة أن تتمدد بهذا العمق في السلك الدبلوماسي المصري إلّا إذا كانت متوائمة تماماً مع النظام الحاكم سياسياً وأمنياً.
قبل ثورة يناير 2011 كان حازم خيرت سفيراً لمصر في سورية، عندما كانت دمشق عاصمة بارزة في المنطقة ومن أولويات اهتمامات مبارك شخصياً، ثم أصبح مندوباً دائماً لمصر في الجامعة العربية، ثم تولى منصب سفير مصر في تشيلي.
واستطاع حازم خيرت أن يكون واحداً من قلة قليلة حافظت على مكانتها على مدار السنوات الأربع الحرجة (2010-2014) كسفير في تشيلي، على الرغم من تتابع الأنظمة واختلافها. وكان خيرت أحد السفراء الذين تظاهروا بتحمسهم للتغيير في مصر وللتداول الديمقراطي للسلطة، فهو يعرف كيف يتكلم وفي أي توقيت بما يحقق له المكاسب المرجوة.

العواصم الكبرى تحت السيطرة

في هذه الأثناء، تضمنت الحركة الدبلوماسية الأخيرة التي شملت تعيين سفير في إسرائيل، عدداً من التغييرات الأخرى التي ترسخ سيطرة مجموعة سامح شكري المعروفة بولائها المطلق للنظام العسكري في مصر على العواصم الكبرى والرئيسية.
سفير مصر الأسبق في إسرائيل ياسر رضا، والذي كان مساعداً لشكري لشؤون مكتبه، أصبح سفيراً في واشنطن، وهو ما قد يؤهله لأداء دور سياسي بارز في المستقبل القريب.
أما بدر عبدالعاطي، المتحدث باسم شكري وساعده الأيمن، صعد سريعاً ليصبح سفيراً في برلين، على الرغم من أنه لم تسبق له الخدمة في دول غرب أوروبا، أخذاً في الاعتبار أن برلين أصبحت عاصمة ذات طابع خاص بالنسبة للدبلوماسية المصرية في ظل حالة الانفصام بين الحكومة والإعلام الألماني في ما يتعلق بالموقف من النظام الحاكم في مصر.
ويضاف إلى هاتين العاصمتين، لندن التي يتولى منصب السفير فيها رجل نظام مبارك السفير ناصر كامل، وباريس التي يقيم بها السفير إيهاب بدوي أحد من برزوا بعد الإطاحة بحكم الإخوان مستفيداً من علاقاته بالمؤسسة العسكرية أيضاً.

اقرأ أيضاً السياسة الخارجية للسيسي: رضا إسرائيل وقرب من الطغاة