القرار الاقتصادي اللبناني في قبضة رجال البزنس

القرار الاقتصادي اللبناني في قبضة رجال البزنس

20 مارس 2014
أكثر من 30% من الوزراء ينتمون الى الهيئات الاقتصادية
+ الخط -

كثيراً ما يستغرب مراقبو السياسات الاقتصادية في لبنان التآلف الاقتصادي بين الأحزاب اللبنانية بكل مشاربها، في مقابل الاختلاف السياسي الحاد القائم بينها، إذ تتفق الأحزاب على الكثير من البنود الاقتصادية التي تسيّر البلاد، ولا يكشف أي فريق "فضائح" الفريق الآخر إلا في حال عدم رضوخ الفريق الأول لمطلب مقاسمة الصفقة مع الفريق الثاني. فمنذ أشهر، دبّ خلاف حاد بين وزيري المالية والأشغال العامة والنقل على خلفية غرق الطرقات اللبنانية بالمياه نتيجة هطول الأمطار الغزير.

وكانت النتيجة مؤتمرات صحافية اتهم فيها كل وزير غريمه بالفساد وبوجود مستندات تدينه. طبعاً لم تتم محاسبة أي من الوزيرين، ومن ثم عمّ الوفاق بينهما. فما سرّ التعاضد الاقتصادي بين زعماء السلطة في لبنان؟ ومن يسيطر فعلياً على مفاصل السياسة الاقتصادية اللبنانية؟
ينقسم لبنان اقتصادياً إلى 3 أقسام تمثل أطراف الإنتاج: الهيئات الاقتصادية، وهي تجمع كبير يمثل أصحاب العمل ويضم كل القطاعات الاقتصادية إلا الزراعة. وتسيطر على قرار الهيئات جمعية الصناعيين، جمعية المصارف وجمعية التجار.

الطرف الثاني هو الاتحاد العمالي العام وهو يضم أكثر من 52 اتحاداً نقابياً تمثل القطاعات كافة. ويسيطر على الاتحاد سياسياً أحزاب ما يعرف بـ 8 آذار، وخصوصاً حركة أمل والحزب القومي الاجتماعي.
والاتحاد العمالي العام، مثلاً، محسوب بالمطلق على الهيئات الاقتصادية منذ  عام 2011، حين وقع وثيقة الاتفاق الرضائي الذي على اساسه تم خفض سقف الحد الادنى للأجور قبيل اقراره في شباط/ فبراير من العام نفسه. أما الطرف الثالث فهو الدولة وهي أضخم صاحب عمل في لبنان.

السيطرة على الاقتصاد

ومن خلال معرفة مكونات أطراف الإنتاج وتأثيرها على القرار السياسي، تمكن معرفة الآلية التي من خلالها يتم رسم السياسات الاقتصادية في لبنان، وخصوصاً في ما يتعلق بانحيازها إلى أصحاب الأموال.
من المنطقي أن تدافع الهيئات الاقتصادية عن مصالح أصحاب العمل، وهي عملت طوال السنوات الماضية على خفض سقف الحد الأدنى للأجور خلال التفاوض مع العمال والدولة، وكذلك، تسيطر الهيئات الاقتصادية على مفاصل الاقتصاد اللبناني، إذ إن 60 % من الأسواق اللبنانية، وفق دراسة للخبير الاقتصادي، توفيق كسبار، خاضعة للاحتكار، مما يعني أن مجموعة قليلة من أصحاب المؤسسات تسيطر على حجم كبير من النشاط الاقتصادي في لبنان.

كذلك، تقوم المصارف بتمويل دين الدولة اللبنانية ونفقاتها، وفق سياسة نقدية أقدمت على رفع سعر الفائدة مما أدى الى تراكم أرباح المصارف بشكل كبير.
وغالباً ما تهدّد المصارف بوقف تمويل الدولة عند كل مفترق يتعلق بمطالب اجتماعية ترفعها الأوساط النقابية في لبنان. وتمتلك المصارف كبرى شركات التأمين والعقارات في لبنان، وما لذلك من تأثيرات على التضخم في حجم دورها في السوق اللبنانية.

تكتل الهيئات الاقتصادية، منع ،مثلاً، العام الماضي زيادة الضرائب على المضاربات العقارية، وهي ضريبة زهيدة جداً. وترفض الهيئات كذلك اجراء أية تغييرات في ما يتعلق بالسياسة الضريبية في لبنان، والتي تعفي حالياً أصحاب الأموال من اقتطاعات ضريبية تتغير تبعاً لتغيّر حجم الدخل.

أما النقطة الأكثر إثارة للجدل في لبنان، فهي تتعلق بالقوانين والتشريعات الصادرة عن الحكومات والبرلمانات المتعاقبة في لبنان، حيث أنها بغالبيتها تراعي مصالح الهيئات الاقتصادية.

البرلمان والحكومة

يسيطر على البرلمان اللبناني رجال الأعمال من مختلف القطاعات الاقتصادية، في حين تطعّم الحكومات دوماً برجال الأعمال، وخصوصاً المصرفيين والصناعيين.
في الحكومة التي تم تشكيلها مؤخراً، برئاسة تمام سلام، ووفق ما تشير السير الذاتية، التي تم توزيعها من قبل الوزراء أنفسهم، يشكل الوزراء الذين هم أعضاء في الهيئات الاقتصادية 33 في المائة من عدد الوزراء، بينهم وزيران يملكان شركات عقارية ضخمة (وزير الدفاع ونائب رئيس الحكومة سمير مقبل، ووزير الخارجية جبران باسيل).
وزير يملك شركتي تأمين وهو وزير السياحة ميشال فرعون، ووزير الاقتصاد آلان حكيم الذي يدير مصرف الاعتماد اللبناني، إضافة الى 4 وزراء يملكون شركات صناعية واعلامية وتجارية.

هؤلاء الوزراء، هم فعلياً الحكومة، إذ ان القرارات الاقتصادية والمالية كلها تمر عبرهم، وهم يمثلون معظم الكتل الحزبية في لبنان. وفي حين ان اتحادهم في الحكومة قوة، إلا أن لممثلي القطاع المصرفي في الحكومة حظوة غالبة، بفعل سيطرة القرار المصرفي على السياسات الاقتصادية العامة في البلاد. أما الأسباب فهي غير مفهومة بالنسبة إلى المواطنين، ولكنها مرئية بالنسبة إلى واضعي السياسات في لبنان.

التداخل المصرفي - السياسي

يتميز لبنان بتداخل كبير بين القطاع المصرفي والطبقة السياسية القائمة، إذ يوجد في لبنان، وفق ما اورد موقع جمعية المصارف اللبنانية، حوالي 71 مصرفاً، ويستحوذ 13 مصرفاً لبنانياً على أكثر من 95 في المائة من إجمالي موجودات القطاع المصرفي في لبنان (تصل في بعض السنوات الى 98 في المائة).

وتشير تقارير "بنك داتا" (مركز احصائي لبناني) الى أن هناك مصارف أساسية تعرف باسم مجموعة "ألفا" هي: عودة، بلوم، بيبلوس، فرنسبنك، سوسييتيه جنرال، الاعتماد اللبناني، البحر المتوسط، بيروت، بيروت والبلاد العربية، اللبناني الفرنسي، فرست ناشونال بنك وانتركونتينانتال بنك.

في حين أن 3 مصارف فقط وهي عودة بلوم وبيبلوس تسيطر على ما يناهز الـ 50 في المائة من اجمالي الموجودات.

أما حجم أرباح مجموعة "ألفا" فوصل في العام الماضي الى 1717 مليون دولار، وتفوق ودائعها قيمة الملياري دولار وأصولها 176.4 مليار دولار.

وتمتلك معظم المصارف الكبرى شركات تأمين وشركات عقارية، أو تستحوذ أسهم الغالبية في شركات تعمل في هذين القطاعين.

ويغلب على المصارف اللبنانية، الكبرى منها والصغيرة، الطابع العائلي. فبمجرد الدخول الى بيانات جمعية المصارف يمكن إيجاد الى جانب عدد قليل من المساهمين العرب والأجانب في المصارف اللبنانية، مساهمين ينتمون الى عائلة واحدة.

كذا، يوجد أشخاص يمتلكون مصرفين أو ثلاثة مصارف ضمن فئة المصارف التجارية أو تتوزع بين مصارف تجارية ومصارف أعمال. وكذلك، يُلاحظ أن عدداً لا يستهان به من الوزراء المعنيين مباشرة برسم السياسات المالية، وعدداً آخر لا يستهان به من النواب، يتواجدون في المصارف كمساهمين وأعضاء في مجلس الإدارة.

وكما تظهر بيانات جمعية المصارف عن مجالس ادارة المصارف والمساهمين فيها، تسيطر 183 عائلة لبنانية على المصارف العاملة في لبنان.

بعض العائلات يسيطر وحده على مصرف أو أكثر، وبعضها الآخر يسيطر على غالبية الأسهم، في حين أن لدى البعض أسهماً في أكثر من مصرف، وبعض العائلات لديه أسهم قليلة. ولكن الملاحظ أن معظم المصارف تساهم فيها شركات هولدنغ التي تتضمن أسهماً من أصحاب المصارف والمساهمين وآخرين من خارج مجلس الإدارة وجداول المساهمين المعلنين.
ويعمل في القطاع المصرفي حوالي 10 وزراء ينقسمون بين وزير حالي وسابق. وهؤلاء الوزراء استلموا، خلال السنوات الماضية، الوزارات التالية: وزير دولة، وزارة الطاقة والمياه، وزارة الاقتصاد، وزارة المالية والعدل والاتصالات، وزارة المهجرين، وزارة العدل.

في المقابل، فإن عدد النواب- المصرفيين الذين دخلوا البرلمان منظور جداً، اذ يوجد في البرلمان الحالي 7 مصرفيين في البرلمان. كذلك، يتواجد في مجالس ادارة المصارف 16 شخصية تتصل بقرابة متينة بشخصيات سياسية لبنانية.

 

 

المساهمون