القاهرة التاريخية... مخاوف من المشروع القومي

القاهرة التاريخية... مخاوف من المشروع القومي

08 فبراير 2018
خوف على الأحياء التراثية (ديفيد سيلفرمان/ Getty)
+ الخط -
تمتد القاهرة التاريخية على 32 كيلومتراً مربعاً وتضمّ مناطق القلعة ومصر القديمة والفسطاط وجبل المقطم والجمالية والدرب الأحمر وجزءاً من بولاق أبو العلا، على أن يشملها المشروع القومي لإعادة إحياء القاهرة التاريخية

قبل نحو أسبوعَين، راح سالكو الطريق المؤدّي من نفق الأزهر إلى ميدان الأوبرا في وسط القاهرة يتذمّرون من الزحام الشديد الذي فاق المعتاد، متسائلين عن الأسباب. لكنّ تساؤلاتهم تلك سرعان ما تلاشت بمجرّد خروجهم من النفق، إذ رأوا أمامهم عشرات من رجال الأمن وهم يقفون خلف متاريس حديدية تحيط بفندق "كونتينتال" التاريخي، لتأمين عمليّة هدمه.

وتظهر مخاوف من تحويله إلى فندق استثماري يؤدّي إلى ضياع القيمة المتميّزة لذلك الفندق، في حين تُسجَّل انتقادات عدّة لطريقة هدمه باعتبارها غير مطابقة للقرار الصادر عن مجلس الوزراء رقم 2964 لسنة 2009 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. وهذا المبنى بحسب خبيرة الآثار المصرية مونيكا حنا "أثريّ ولا يجوز هدمه"، ويتّفق خبراء وعلماء آثار آخرون معها (حنا) على رفض هدم أجزاء منه.

يفيد بيان للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق "إيجوث" بأنّ الفندق مغلق منذ عام 1985 لكنّ محافظة القاهرة والجهات المعنية رأت الحفاظ على واجهة الفندق التي تعدّ ذات طبيعة أثرية وتراثية. يُذكر أنّ الشركة تسعى إلى هدمه منذ أعوام، لكنّ الحكم القضائي الابتدائي الصادر لمصلحة أصحاب المحال التجارية فيه -إذ يضمّ الفندق أكثر من 450 محلاً تجارياً- في عام 1985 قضى برفض طلب الشركة بهدم العقار وإلزامها بالإصلاح والتنكيس. وفي عام 2006، رفضت محكمة الاستئناف طعناً قدّمته "إيجوث" وألزمتها بالترميم والإصلاح. لكنّ "إيجوث" نجحت في إبريل/ نيسان 2016 في الحصول على رخصة لهدم الفندق بقرار من رئاسة مجلس الوزراء، شريطة التفاوض مع أصحاب المحال التجارية في إطار خطة الحكومة لإعادة تطوير منطقة القاهرة التاريخية.



انتقادات واختلافات
ومنطقة وسط البلد تقع بالكامل في إطار مخطط المشروع القومي لإعادة إحياء القاهرة التاريخية، وهو المشروع الذي تواجه مراحل تنفيذه المتعددة اختلافات وملاحظات بالجملة على أداء الحكومة في التعامل مع هذا الملف من قبل خبراء وعلماء آثار، فضلاً عن الانتقادات التي توجّه إلى الحكومة بسبب ميلها إلى الاستثمار من خلال المشروع على حساب قيمته الأثرية والتراثية.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر قراراً جمهورياً في ديسمبر/ كانون الأول 2016 حمل رقم 604 لسنة 2016 يقضي بتشكيل اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية برئاسة إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية. وتضمّ اللجنة في عضويتها محافظ القاهرة، ومستشار الرئيس للتخطيط العمراني، ورئيس هيئة التخطيط العمراني، ورئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، ورئيس مجلس إدارة العاصمة الإدارية الجديدة، وخبيراً في إعادة هيكلة وإدارة الأصول، ورئيس اتحاد البنوك المصرية.

والمخاوف من إدارة ملف القاهرة التاريخية، كان قد أشار إليها قبل فترة مراقبون وخبراء في التخطيط العمراني والآثار، علماً أنّ المخاوف بدأت قبل إعلان الحكومة عن خطتها لنقل مجمّع التحرير ومربع الوزارات من وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة. وحذّر خبراء من خطورة تلك الخطوة، في حال كانت الحكومة عازمة على بيع تلك المباني أو تأجيرها لمصلحة مستثمرين مصريين أو عرب.

وفي السياق، كانت اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية قد قررت منْح لجنة مصغّرة داخلها، مهلة لوضع تصوّر للتعامل مع معظم مباني الجهات الحكومية المسجّلة تراث أو المباني ذات القيمة المعمارية أو الطراز الحضاري، بالإضافة إلى مجمع ومبنى وزارة الداخلية القديم والذي صدر أخيراً قرار حوله يقضي بأن تتولى وزارة الإسكان مهمة الإشراف عليه فنياً بعد نقل وزارة الداخلية إلى القاهرة الجديدة.




إلى ذلك، كان من المقرّر أن تنتهي عملية إخلاء مجمع التحرير من كل المقار الحكومية في 30 يونيو/ حزيران 2017 بحسب ما أعلنته محافظة القاهرة، إلا أنّ الجدول الزمني لعملية الإخلاء فشل أمام تعثّر عملية النقل وإيجاد مقار بديلة، فضلاً عن ارتباط عملية النقل بالانتهاء من الحيّ الحكومي في العاصمة الإدارية الجديدة، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين. تجدر الإشارة إلى أنّ مجمع التحرير هو أكبر مجمع حكومي في مصر يقع في قلب ميدان التحرير في القاهرة، ويضمّ نحو تسعة آلاف موظف حكومي، بينما يزوره يومياً نحو 30 ألف مواطن ووافد أجنبي. ويتألّف مبنى المجمع من طبقة أرضية و13 طبقة وأكثر من 1300 مكتب إداري.

أمّا بشأن مربّع الوزارات الذي يقع على بعد مئات الأمتار من ميدان التحرير، فإنّ مسوّدة مخططات محافظة القاهرة الخاصة بحصر مباني الوزارات والهيئات الحكومية تشير إلى أنّ ثمّة مباني حكومية في منطقة الوزارات مسجّلة كآثار وعددها ستّة وهي تخصّ مجلس الشورى ومجلس النواب وقصر إسماعيل باشا ووزارة الصحة وملحقاتها ومجلس الوزراء والمجمع العلمي. كذلك تضمّ المخططات عدداً من المباني الحكومية المستغلة في منطقة الوزارات والمسجلة كطراز معماري، وعددها ستّة وهي مباني وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة الإنتاج الحربي ووزارة التربية والتعليم وملحق وزارة التربية والتعليم ومبنى الهيئة العامة للطرق والكباري. أمّا المباني الحكومية غير المسجلة كطراز معماري وفقاً للمخططات، فيبلغ عددها 15 مبنى.



إحلال وتجديد
يفيد مصدر مطّلع "العربي الجديد" بأنّ "ثمّة اتجاهاً واسعاً داخل اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية، إلى تقديم عوامل جذب للشركات الاستثمارية لإعادة استخدام المباني التراثية في مربّع الوزارات في إطار المشروع القومي، فضلاً عن إحلال عدد من المباني التراثية التي تشغلها الوزارات بعد إخلائها وتحويلها إلى أماكن للترفيه مثل المسارح والعروض الفنية والأماكن المفتوحة للعمل الحرّ، إلى جانب مراعاة واقع أنّ ثمّة مباني تصلح لتحويلها إلى أفرع لكبريات الشركات والبنوك وكذلك الفنادق".

تجدر الإشارة إلى أنّ تجربة الإحلال والتجديد تلك سبق وجرى تنفيذها من قبل شركة الإسماعيلية للتطوير العقاري، عندما ضخّت استثماراتها في سينما "راديو" في وسط البلد والتي تحوّلت لاحقاً إلى مسرح عرض كان الإعلامي الساخر باسم يوسف يقدّم فيه برنامجه الشهير "البرنامج". أمّا حالياً فيُعرض فيه برنامج "أبلة فاهيتا". والشركة نفسها اشترت مقرّ القنصلية الفرنسية القديم وحوّلته إلى ساحة مفتوحة للعمل الحر، واشترت كذلك العمارة العريقة المعروفة باسم "فندق فيونواز" والتي يجري اليوم تطويرها بالكامل من الداخل والخارج لتتحوّل إلى مبنى إداري.

وكان مركز التراث العالمي في منظمة يونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) قد أطلق مشروع الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية مع الحكومة المصرية، في إطار برنامج شامل يدعو إلى تطبيق الدعم الفني للحكومة المصرية لإدارة فكرة تطوير هذه المناطق.

وقد صدر قرار عن رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، حمل رقم 627 لسنة 2014 والمعدّل بالقرار رقم 1420 لسنة 2014 بتشكيل مجموعة عمل وزارية برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كلّ من الوزارات المعنية بالحفاظ على مناطق القاهرة التاريخية، تتألف من وزراء الآثار والأوقاف والثقافة والإسكان والمرافق والسياحة والبيئة والتنمية المحلية والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري والتعاون الدولي والتطوير الحضري والعشوائيات، فضلاً عن محافظ القاهرة وممثل عن وزارة الداخلية لمرور القاهرة.

أرقام
تستحوذ مدينة القاهرة على نحو 90 في المائة من الآثار الإسلامية والقبطية على مستوى الجمهورية، ويقدّر عدد الإشغالات الحكومية للمباني الأثرية والمسجلة بـ 105 إشغالات. أمّا الإشغالات التجارية للمباني الأثرية فعددها يصل إلى 1311 إشغالاً.




وبحسب مخططات اللجنة القومية، فقد حصر 174 أثراً إسلامياً وقبطياً في القاهرة في حاجة إلى الترميم بعد زلزال عام 1992، و137 ملكاً لوزارة الأوقاف، وسبع ملكيات خاصة، و30 ملكية للمجلس الأعلى للآثار، و16 جرى ترميمها قبل المشروع أي قبل عام 1999، بالإضافة إلى 15 جاري ترميمها قبل المشروع في عام 1999، والمتبقي 143 مشروعاً. وقد صُرف 533 مليون جنيه مصري (نحو 30 مليوناً و206 آلاف دولار أميركي) على المشروع حتى اليوم بحسب مخططاته الرسمية.