الفن التلفزيوني وثقافته

الفن التلفزيوني وثقافته

17 مارس 2015
+ الخط -

ترمَّلت الثقافة على يد الدراما التلفزيونية السورية، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قتلت الثرثرات الدرامية صورة الكاتب المثقف السوري، وهبطت رمزيته من أعين المجتمع، وتداعت قدرته على التأثير في المنتديات الفكرية الاجتماعية، وتحديداً الشبابية منها التي صارت تلتهم كل التفاهة من كثرة الفقر الفكري والثقافي الإبداعي، فخانت أغلب النصوص والسيناريوهات الدرامية الثقافة بمفهومها الشمولي، حين أعطت للكاتب، في عدة أعمال كارثية، شخصية المهزوز والسخيف والعاجز عن إدراك الواقع المحيط به. لم تنجح الدراما في رفع مستوى الثقافة في زواريبها الفنية، إلا عندما انتفضت مثل نيوتن، وكأن سحارة تفاح سقطت على رأسها، لتستعيد، بعد حين، في بعض أعمالها، شيئاً من التطور والرقي الثقافي الفني. والبخل الإبداعي ضاع عنها، حين قدمت لنا قيمة درامية من قلب المعاناة، وإيجاد فن يجسد ويحترم الثقافة من العدم، وراحت تفتح الأبواب الموصدة، لتدخل عليها نصوص معاصرة عميقة ودقيقة، في وصف الثقافة وصورها المتباينة.

في هدأةِ الليل، تُنظّم معظم النصوص الدرامية التلفزيونية في "مونديال رمضان الدرامي"، طبقاً لخلفيات سياسية، اقتصادية و اجتماعية كثيرة ومتعددة، فصار هناك شبه انعدام للثقافة في الدراما، ولتلك الظاهرة أسبابها السورية، وأهمها أن صناعة السيناريوهات الدرامية في سورية ظلت أسيرة رؤية أمنية واستخباراتية تابعة للدولة و الحكومة، ووفقاً لسياسات البعث الحزب الحاكم الأوحد في سورية، أصبح القلم الذي تُكتب به النصوص والحوارات الدرامية، مقيداً بضوابط و قوانين ضيقة جداً، و محدودة الآفاق، حتى جفّت كل الأفكار الجديدة والغنية التي من حقها أن تقوم بإسقاطات حقيقية على أرض الواقع، ولم يبق إلا القليل من قوالب الطوب الديمقراطي، لكي نبني قواعد و أسساً متينة و قوية للدراما السورية، فتغيرت البنية الدرامية السورية إلى بنية هشة، يغزوها صدأ الاستعراضات وبلادة الإبداع و جمود الأفكار التي تساعد على بناء الوجدان الثقافي في المجتمع السوري.
وبالحديث عن الدراما و حرية التعبير بشكلٍ عام، نذكر ما كتبه باتريك سيل عن دولة البعث: "في دولة الأسد، لم تعط فكرة حرية الفرد أي محتوى مادي، برغم الأجهزة و المؤسسات، فليس هناك قضاء مستقل استقلالاً حقيقياً، ولا حرية اتصال و تعبير"، ففي ظل الحكم المطلق، تموت كل الحريات و التطور في كل مجالات الحياة، ومنها الثقافة، كما كتب ياسر مرزوق، في مقال نشر في 13 يوليو/تموز 2014 "الدراما التلفزيونية السورية شكلت في السنوات السابقة المنبع المعرفي الأول و الموجه الأهم للرأي في المجتمع الذي تتراجع فيه منابع الثقافة الحقيقية". في المنظور العام، كانت الرقابة التي تتمحور حول الثالوث المحرم (الجنس، الدين، السياسة) طوال عهد الأسد الأب والابن، كانت كالأفعى السامة التي تقتل الإبداع في نفوس المبدعين في سورية، ولم يكن لسم الرقابة ترياق.

وعكة فنية تسمّى "دراما الخناجر والسكاكين" احتلت جسد الفن التلفزيوني، فصارت الدراما التلفزيونية السورية تخدم جمهوراً استهلاكياً، يبحث عن التسلية، أما التغيرات المتسارعة في المجتمع السوري فتنتظر من يلتفت إليها، ليطرح ما يستحق المعالجة.

كل هذه الأمور و المحاور الأساسية كانت كفيلة بقتل صور الثقافة لدى شريحة كبيرة من المجتمع السوري. لكن، في نهاية الأمر، يبقى التلفزيون وسيلة للترفيه عن الروح، و إن كنا نصدق قول بول فاليري "ليس الذئب سوى مجموعةٍ من الخراف المهضومة"، فإننا يجب أن ندرك أن الفن التلفزيوني لا يستحق كل هذه المكانة التي أخذها من يومياتنا، لكي نسمع حوارات مهترئة ومقيتة، لا تنفع و لا تغني. لكن، علينا أن نعلم أن هناك إبداعاً خُلِقَ من الألم والمعاناة، من الواجب احترامه وتقديره، أما الهراء الدرامي الذي نسمعه والكذب التلفزيوني الذي نشاهده سوف يذوب بذوبان الداعم الأساسي له.

avata
avata
صالح صالح (سورية)
صالح صالح (سورية)