الفلسطينيون في العراء السوري

الفلسطينيون في العراء السوري

26 ابريل 2015
"خرائط ثلاثية الأبعاد"، منى حاطوم
+ الخط -

منذ سنوات، باتت الحركة الوطنية الفلسطينية عبئاً على الشعب الفلسطيني، وأضحت المؤسّسات المنبثقة منفصلة عن الواقع. إن هذه المؤسّسات، متمثلة بالخصوص بمنظمة التحرير الفلسطينية، أو السلطة الفلسطينية، باتت تبدو غير شرعية.

تحتاج الحركة الوطنية الفلسطينية ربّما إلى "ربيع فلسطيني". تحتاج إلى منطق جديد قادر على الارتقاء بالقرار السياسي والكفاحي، بعد أن أسقط الأخير من الإستراتيجية الفلسطينية، وبقي الخيار التفاوضي، رغم فشله على مدى عقود، هو الخيار الإستراتيجي والوحيد.

سأتوقف عند ما أنتجته الحركة الوطنية الفلسطينية في ما يخص الأوضاع الفلسطينية في سورية، في ظل الواقع السوري منذ أربع سنوات. لو أننا تتبعنا المواقف الصادرة عن القيادات مما يجري فلن نجد موقفاً واضحاً. إذ تتضارب المواقف ما بين النأي بالنفس، وبين التماهي مع الموقف الرسمي للنظام السوري، من دون البحث عن آليات عمل، تكون قادرة على حماية الفلسطينيين السوريين داخل سورية.

إن ما حدث أخيراً في مخيم اليرموك كشف واقعاً مستمراً منذ أكثر من سنتين، وما زال، يقضي بسببه العديد من الفلسطينيين جوعاً قبل أن يصلهم القصف والقتال. وعلى الرغم من الزيارات المكوكية لموفد منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية، أحمد مجدلاني، لم تستطع هذه الزيارات أن ترفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في سورية. كما أنها أخفقت في إيجاد حلول في الجانب الإغاثي، أو في ملف المعتقلين الفلسطينيين في سجون النظام السوري، أو في تمكين الفلسطينيين في مخيمات سبينة أو السيدة زينب من العودة إلى مخيّماتهم، على الرغم من أن هذه المخيمات تحت سيطرة النظام السوري.

أما عن القيادة الفلسطينية للساحة السورية، فإنها غابت بالمطلق عن الفعل. وغالباً ما اكتفت بتقديم التقارير المزيفة عن الواقع الفلسطيني في سورية للقيادة المركزية الفلسطينية. وفي كثير من الأحيان، تواءمت هذه التقارير مع هوى السلطة، فكأنها كتبت فقط حتى لا تكون هذه السلطة أمام استحقاق جدي لمعالجة الأوضاع الخطيرة للشعب الفلسطيني هناك.

غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. لقد جاء دخول "داعش" إلى مخيم اليرموك، ليسقط ورقة التوت عن هذه الحركة الوطنية الفلسطينية. تكشف ذلك التصريحات المتضاربة ما بين ياسر عبد ربه، وعباس زكي، والمجدلاني؛ وتضارب موقف صلاح البردويل القيادي في حركة حماس، ورئيس مكتبها السياسي خالد مشعل.

حين تتجه عيوننا صوب حقيقة الديمغرافيا الفلسطينية في سورية، نجد أنه لم يبق من أصل أكثر من ستمئة ألف فلسطيني في سورية سوى أقل من النصف، في حين أن النصف الآخر، قد توزّع ما بين لجوء جديد وموت.

إن حالة العجز المطلقة للقيادة الفلسطينية بكل أطيافها أمام هذه المعضلة، إنما هي المؤشر الأكثر وضوحاً للتخلص من أكبر إشكالية أمام السلطة الفلسطينية، والمتمثلة بحالة اللجوء الفلسطيني التي تم التخلص منها على مراحل، من الكويت إلى العراق وصولاً إلى سورية أخيراً.

وبعد أيام من أزمة داعش والمخيم، وبعد سقوط أربعين برميلاً متفجراً على مساحة لا تزيد عن 2 كلم مربع، وأكثر من خمسة صواريخ أرض-أرض، ماذا يمكن أن تقول هذه الحركة؟ لاسيما أن مخيم اليرموك يحاصر فيه الآن ستة عشر ألف مدني. هل تصلح حركة وطنية كهذه لقيادة الحالة الفلسطينية؟

من عجَز عن قراءة المتغيّر العربي والإقليمي والدولي لا يمكنه أن يأتي بحلول، وإن الواقع بات يحتاج إلى طاقات لم يطاولها التكلّس كما هو حال القيادة الراهنة. ومن يقترب من الشارع الفلسطيني، سيلحظ إلى أي مدى، باتت هذه الحركة، موضع اتهام. وإذا ما اعتبرنا، كما هو مفترض، أن الشعب هو من يمنح الشرعية أو يحجبها عن أي قيادة، فإننا اليوم أمام حركة وطنية فلسطينية فقدت كل شرعية لها.


(كاتبة فلسطينية سورية/ إسطنبول)