الغاز يعيد الدفء بين طهران والخليج

الغاز يعيد الدفء بين طهران والخليج

11 يونيو 2014
الكويت تسعى لتحسين علاقتها الاقتصاديّة مع طهران
+ الخط -

 

لا تعرف السياسة العداء الدائم، كما أنّها لا تعرف الصداقة الدائمة، ولكنّ السياسة تدور مع المصلحة أينما دارت، وقد تعرض الأمور في واجهة اقتصادية، ولكنّ علينا أنّ نبحث في أغوارها، لنكتشف الدوافع السياسية، ولا خلاف على أنّ السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، ويخدم أحدهما الآخر حيثما كان للسياسة أو الاقتصاد اليد الطولى.

ونلمح إعمال القاعدة السابقة في قراءة الواقع الجديد في العلاقات الخليجية تجاه إيران، من خلال ما ترصده وسائل الإعلام من خطوة دعوة المملكة العربية السعودية الرئيس الإيراني الجديد لزيارة المملكة، والخطوات التي اتخذتها كل من الكويت وسلطنة عمان تجاه تفعيل علاقات تجارية واقتصادية مع طهران، وخاصة في مجال استيراد الغاز.

والجدير بالذكر أنّ العلاقات الاقتصادية ظلت خلال العقود الثلاثة الماضية بين الخليج وإيران محدودة، وكانت الإمارات ولازالت تمثل ظاهرة مختلفة في تلك العلاقة، إذ ظلت الدولة الخليجية منفذ إيران على الخارج، في ظل تصاعد العقوبات الاقتصادية من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي تجاه إيران.

بل إنّ الإمارات أصبحت تمثل الشريك التجاري الثاني عالمياً مع إيران، بعد الاتحاد الأوروبي، والشريك العربي الأول تجارياً مع إيران، بحجم تعاملات يصل إلى نحو 17 مليار دولار، يميل فيها الميزان التجاري لصالح الإمارات، وإنّ كانت بيانات عام 2012 تشير إلى تراجع التبادل التجاري بين الطرفين إلى 12 مليار دولار بسبب تفعيل العقوبات الاقتصادية، ولكن عقب حالة التفاؤل المتعلقة بالوصول لاتفاقٍ بين إيران والغرب حول البرنامج النووي، رصدت البيانات الإماراتية وجود زيادة في التعاملات الاقتصادية مع إيران بنحو 7 %.

هذا فضلًا عما تمثله الجالية الإيرانية من حضور اقتصادي في الإمارات، من خلال نحو نصف مليون فرد، ونحو 8 آلاف شركة.

واقع جديد

ظلت العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي تعاني من ضعف وتراجع منذ عام 1979، وازدادت حدّة الخلاف بيّن الطرفين بعد الخطوات المتقدمة التي حققتها طهران في برنامجها النووي، مما جعل العلاقات الاقتصادية محدودة بيّن الطرفين، باستثناء الإمارات، كما ذكرنا في السطور السابقة.

إلا أنّه وبعد الإعلان عما سمى بمفاوضات (1+5) المتعلقة بالمفاوضات الأوروبية الإيرانية حول برنامج إيران النووي، ووجود حالة من التفاؤل حول هذه المفاوضات، تمّ تخفيف العقوبات الاقتصادية من قبل أمريكا على بعض الأموال والأصول الإيرانية المتحفظ عليها في أمريكا.

كما أوجدت هذه الحالة نوعاً من إعادة الحسابات لدى دول الخليج، في ضوء احتمالية تطور العلاقات الإيرانية مع الغرب وأمريكا بشكل إيجابي، والذي أدت إليه المفاوضات حول البرنامج الإيراني من جانب، وما مثله النجاح الإيراني على خريطة القوى الإقليمية بالمنطقة العربية.

فالنظام السوري قائم ولا يزال يواجه معارضيه على مدار ثلاث سنوات، بفضل الدعم الإيراني غير المحدود، كما مثل الحضور الشيعي في العراق وتولي السلطة التنفيذية هناك، سنداً للنظام الإيراني، ومن جهة أخرى، فإنّ حالة التراجع التي تمر بها دول الربيع العربي، جعلت من إيران قوة إقليمية، لابد أنّ تمر المصالح الاقتصادية والسياسية للقوى الكبرى من خلالها، أو على الأقل عدم تجاهلها.

الوجه الاقتصادي للمعادلة الجديدة، جعل سلطنة عمان تعترض على التوجه السعودي الإماراتي، لتطوير وتطويع مجلس التعاون الخليجي، ليكون اتحاداً خليجياً، تحت هاجس التهديدات الأمنية، وهو ما جعل سلطنة عمان تهدد بالخروج من مجلس التعاون الخليجي، إذا ما اتخذت أيّ خطوة بشأن تحويل مجلس التعاون لمرحلة الاتحاد.

وأضاف الموقف العماني نقطة ضعف جديدة لمجلس التعاون الخليجي، وإظهاره بصورة هشة، إضافة للممارسات السابقة الخاصة بفشل الوصول للعملة الخليجية الموحدة في الموعد المحدد لها، أو تنفيذ اتفاقيات المناطق الحرة التي وقعتها بعض دول الخليج مع أمريكا، دون الالتزام باتفاقية مجلس التعاون، أو فشل الوصول لإقامة بنك مركزي خليجي.

وحتى ما نشر مؤخراً في زيارة أمير الكويت لطهران، والوصول للتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات منها واحدة تخص التعاملات الجمركية بين الطرفين، تعد واحدةً من إهمال اتفاقية مجلس التعاون الخليجي، الذي فعّل مرحلة الاتحاد الجمركي، والذي يلزم أي دولة بين أعضائه بتعريفة موحدة تجاه الدول خارج مجلس التعاون، وهو الأمر الذي لم تتم مراعاته، فضلًا عن أنّ إيران ليست عضواً في منظمة التجارة العالمية، كما هو حال دول الخليج.

ومما يلفت النظر إلى كون مجلس التعاون الخليجي أصبح كياناً ورقياً، إنّ العلاقات الخارجية لدولة من الناحية الاقتصادية على الأقل، تتم وفق رؤية كل دولة، ولا تتم المعاملات من خلال كيان موحد يمثل دول الخليج، تجاه الخارج.

 ففي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي (هذه المفاوضات مضى عليها أكثر من 10 سنوات) للوصول إلى تعامل الاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون الخليجي ككيان واحد، تتخذ دول الخليج منحى قُطرياً في التعامل مع إيران، ويغيب التمثيل التكاملي لدول الخليج.

الغاز مقدمة

ما نشر عن اتفاقيات استيراد الغاز الإيراني من قبل الكويت، وقبلها سلطنة عمان، يمثل حلقة في سلسلة تطور إيجابي بين دول الخليج وإيران، وقد يمتد ليشمل مجالات أخرى في نشاطات السياحة الخليجية لإيران، وكذلك مجالات الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران، وقد يكون مجال النفط والغاز الأسهل والأسرع، فالكثير من حقول النفط الإيرانية بحاجة إلى استثمار مالي، وتطوير تقني.

ولعل اتخاذ خطوة في صفقة سلطنة عمان، نحو تمديد خط أنابيب لتسهيل إمدادات الغاز الإيراني بتكلفة تصل إلى مليار دولار، يجعلنا ننظر إلى أنّ العلاقة ليست وقتية، وإنّ المخطط لها أنّ تكون على الأجل الطويل.

ولجوء كل من سلطنة عمان والكويت لاستيراد الغاز الإيراني، وتفضيله عن استيراد الغاز من قطر، وتفسير ذلك على أنّه خصمًا من علاقات دول الخليج مع شقيقتهم قطر، كنوع من العقاب الاقتصادي، قراءة متسرعة إلى حدّ ما.

 وذلك لعدة أسباب منها أنّه بالفعل توجد اتفاقيات بين دول الخليج وقطر لاستيراد الغاز، ويستخدم الغاز القطري في إمدادات مشروعات عدّة بالمملكة العربية السعودية، وغيرها من دول الخليج.

كما يحتمل أن تكون هناك التزامات طويلة الأجل لقطر تجاه الخارج، لا تسمح لها في الوقت الحاضر أو الآجل المتوسط لإمداد دول الخليج باحتياجاتها من الغاز، في ظل توسع المشروعات الخليجية لاستخدام الغاز على حساب المنتجات النفطية الأخرى.

ومن جانب آخر، فإنّ قطر تُعد المخزون الاستراتيجي لأوروبا، في حالة تصعيد الخلاف الأوروبي الروسي، فتهديدات روسيا بمنع أو تقليل الغاز المصدر لأوروبا، قد يواجه بمزيد من الإمدادات القطرية لأوروبا، وهو نفس الدور الذي لعبته السعودية في الإمدادات النفطية للغرب، إبان محاولات إيران استخدام النفط كورقة ضغطٍ على أوروبا، أو حتى في محاولات إيران لرفع سعر البترول عالمياً في ظل الأزمات السياسية التي كانت تمر بها منطقة الشرق الأوسط، فكانت الإمدادات السعودية في وضع الجاهزية، وكثيراً ما كان المسؤولون السعوديون يعلنون أنّ الأسعار في ذلك الوقت مناسبة، ولن يتم رفعها.

ولكن درجة الانفتاح الخليجي على إيران اقتصادياً مرهونة بأمرين الأول يتمثل في الضوء الأخضر من الغرب والسماح بهذه العلاقة، والثاني هو وجود مساحات مشتركة بين الخليج وإيران في المنطقة العربية، والوصول إلى تسويات فيما يتعلق بملفي سورية والعراق.

 ولا يمكن أنّ يمر الدعم العسكري السعودي للجيش اللبناني خلال الأشهر الماضية، بنحو 5 مليارات دولار، في شكل صفقة سلاح فرنسية للجيش اللبناني، وتمويل سعودي، دون قراءة للصراع الخفي بّين الطرفين في المنطقة.

وإذا ما شهدت العلاقات الاقتصادية الخليجية تحسناً خلال المرحلة المقبلة، بتفعيل أكثر من جانب المملكة العربية السعودية، فسيكون حجم هذه العلاقة أكبر بكثير مما هو عليه الآن، فكل من الكويت وسلطنة عمان، من حيث الحجم الاقتصادي، لا يقارن بحجم الاقتصاد السعودي، من حيث الناتج المحلي، أو عدد السكان، أو النشاط التصنيعي، فدخول السعودي على مسار التعاون الاقتصادي الخليجي الإيراني بثقل، سيُغير من طبيعة هذا التعاون من حيث الشكل والقيمة الاقتصادية.

ولكن تبقى معضلة المنطقة، إنّها تدار من الخارج، وإنّ معظم الحكومات بالمنطقة العربية لا تتخذ قرارها الاقتصادي في إطار مستقل، فالمصالح الدولية بالمنطقة، هي المصمم الحقيقي للخريطة السياسية والاقتصادية بالمنطقة.

 في الختام حق لنا أنّ نطرح سؤالاً مهماً، وهو إلى أيّ مدى سيقبل الغرب وأميركا بحدوث تطور ملموس في العلاقات الاقتصادية لدول الخليج مع إيران، بما لا يمثل خصماً من مصالحهما الاقتصادية في المنطقة ؟. 

 

المساهمون