العنف الطلابي... "ورم خبيث" يستشري بالمدارس المغربية

العنف الطلابي... "ورم خبيث" يستشري بالمدارس المغربية

22 يونيو 2016
آلاف الاعتداءات على المعلمين أبطالها تلاميذ صغار(Getty)
+ الخط -
35 حالة اعتداء جسدي على معلمين في عام 2015، أبطالها تلاميذ بمدارس مختلفة، ومئات الأطفال عنفهم مدرسوهم.. أرقام مخيفة أوردتها مصالح وزارة التعليم التي شعرت بالخطر وأسست "مرصدا لمناهضة العنف" وأطلقت نظاما معلوماتيا لرصد حالاته، قد لا يكون كافيا في غياب العلاج الميداني لهذا "الورم الخبيث". 

ابن بيئته
للعنف المدرسي ارتباط وثيق بتربية الطفل في وسطه الأسري والمجتمعي، خاصة في غياب الوعي اللازم لدى الأسر بأهمية تربيته على احترام الآخر صغيرا كان أو كبيرا، فالطفل بالأحياء المهمشة، غالبا ما يكون ميالا للعنف المستشري في حيه، كرد فعل على ظروفه الاجتماعية وإحساسه بالتهميش والضعف اتجاه الآخر.

يقول هشام حمدوشي، مساعد اجتماعي، لـ"العربي الجديد"، إن العنف المدرسي ظاهرة أزلية لها صلة ببيئة نتربى فيها، متسائلا "ماذا ننتظر من طفل عودته أسرته على إثبات الذات بالعنف حتى ضد إخوته؟"، متحدثا عن نظرة خاطئة لمعنى الرجولة، اعتقادا أن العضلات رمزها وليس التفوق الدراسي، ما يولد عدوانية بين التلميذ ومعلمه. مؤكدا أن المقاربة العقابية بالمتابعة القضائية أو التوقيف عن الدراسة، ليست كافية دون مقاربة اجتماعية ونفسية.

ويؤكد يوسف المغراوي، أستاذ علم النفس، لـ"العربي الجديد" أن طبيعة تربية الطفل تخلف "خدوشا واختلالات نفسية تكبر معه" و"لا يمكن معالجتها دون ذوي الاختصاص"، مستغربا عدم تشغيل مستشار اجتماعي أو "خلية إنصات للتلميذ" تتتبع ظروفه الاجتماعية والنفسية، في كل المدارس والأسلاك التعليمية، مبديا خجله من ذلك.

وأشار الأستاذ الجامعي علي أفرفار، في ندوة حول العنف المدرسي" نظمتها نيابة التعليم بفاس في أبريل الماضي، لمكونات جسدية وانفعالية ووجدانية ومعرفية واجتماعية، لشخصية التلميذ الميال للعنف، يجب مراعاتها كليا دون المساس بأي مكون لها، في أي محاولة لتدارك عدوانيته وتحقيق توازنه النفسي تلافيا لنتائج وخيمة على نفسيته قد تدفعه للانتحار أو الانطواء والعزلة والعدوانية.

عنف مضاد
قديما مورس العنف بشكل عمودي من المعلم للتلميذ قبل أن تنقلب الأمور عكسيا، بظهور عنف تلاميذي حيال معلميهم استفحل بشكل لافت للانتباه، ويبرره محمد، تلميذ في الباكلوريا، بـ"رد فعل طبيعي من تلميذ يهان في كرامته وشخصيته أمام زملائه وزميلاته، بالضرب أو السب، دون مراعاة حقوقه الإنسانية".

وتبدو مقولة أحمد شوقي "قم للمعلم وفيه التبجيلا. كاد المعلم أن يكون رسولا"، مستبعدة في وقتنا الراهن، في غياب الاحترام الواجب لمعلم يتفانى في تعليم الناشئة أبجديات القراءة والكتابة وعبر الحياة، وأصبح "ضحية الضرب" إما من قبل المتمدرسين أو المفصولين أو ذويهم الغرباء عن الوسط المدرسي، لأسباب مختلفة.

ويوضح عبد القادر حاديني، المدير الإقليمي لوزارة التعليم بفاس، في ندوة النيابة ذاتها حول العنف المدرسي، معاناة المدرسة من عنف متشعب المصادر والأسباب التي بينها الغش في الامتحان، من قبل المؤسسة وإدارتها أو التلاميذ أو المدرسين، مؤكدا وجود نتائج عكسية لذلك بإعادة تصديره إلى الأسرة والمجتمع اللذين يعتبران منبعه الأولي.

تعتبر المقاربة التربوية للظاهرة، أهم مدخل لمحاربتها، بـ"إعادة النظر في المقررات الدراسية ومراجعة طرق التدريس والامتحانات، لتكون ملائمة للأهداف التربوية المنشودة" يقول محمد أوراغ من "المركز الجهوي لرصد ظاهرة العنف بالوسط المدرسي" المحدث للوقاية من الظاهرة ونشر ثقافة السلم بالمدارس.

وأوضح أن تلك المناهج "لا تخلو من إساءة لحقوق الإنسان"، داعيا لتضمين المواد الدراسية قيما كالتسامح والحوار وقبول الاختلاف والتفتح على الحضارة الإنسانية"، وضرورة حماية محيط المدارس وتمشيطها من المتسكعين والغرباء، بدوريات أمنية مستمرة ومتواصلة، وتفعيل "الأمن المدرسي" بالمؤسسات وخارجها.

ويرى نجيب خو إدريس، عن المركز الإقليمي لرصد العنف المدرسي، في هذا المرصد المحدث من قبل وزارة التعليم، آلية ناجعة للتنسيق والتعاون بين الخلايا المؤسساتية المحلية وتنظيم أنشطة تحسيسية تروم ربط أواصر التواصل بين المدرسة ومحيطها لتكوين نشء صالح يحترم القوانين ووسطه المدرسي.

تجارب مميزة
أصبحت إعدادية الأمل في فاس، نموذجا يحتذى به بين مدارس المدينة، بعدما عرفت سابقا بسمعتها السيئة وتخبطها في مشاكل كثيرة حاولت إدارتها تجاوزها بإحداث إذاعة مدرسية للتواصل اليومي مع آباء وأولياء التلاميذ وتنظيم دورات تكوينية بتأطير من كفاءات عالية لترسيخ القيم الإنسانية النبيلة.

وبرر مديرها محمد اربيعي، نجاح التجربة بالتدبير التشاركي للمؤسسة وانفتاحها على محيطها الخارجي وجعل البرامج التربوية في خدمة التلميذ والاهتمام بالجانب الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، سيرا على خطوات إعدادية قاسم أمين، المتحولة من "مؤسسة شغب" إلى فضاء حاضن لتجارب مميزة بين المدارس.

يقول كاتب السيناريو عبد الرحيم بقلول، مديرها السابق، للـ"العربي الجديد"قمنا باقناع التلاميذ المشاغبين، بالإشراف على أمنها الداخلي، ما ساعد في مراجعة سلوكياتهم. وأحدث قاعة للمسرح لاحتضان مواهبها، وجهز قاعة للمعلوميات منشئا موقعا إلكترونيا بإشراف مباشر منه، للإخبار، ما نقى المؤسسة الواقعة بحي هامشي، من شوائبها.

حلول عملية
كل محاولة لمحاربة الظاهرة، يجب أن تقترن بإعادة النظر في دور المجالس التربوية للمؤسسات المعروض عليها أي تلميذ ارتكب خطأ كيفما كان نوعه، لتأديبه بالقيام بأعمال تطوعية في النظافة أو غيرها، وليس بتوقيفه عن الدراسة لمدد زمنية مختلفة، قد تزيد من ردود فعله حيال المؤسسة ومؤطريها ومعلميها.

ويبقى تفعيل دور "خلايا الاستماع" إلى التلاميذ، لفحص شخصيتهم، وحذف كل الصور المحرضة على العنف من كل الكتب المدرسية، خارطة طريق أولية كفيلة بالتقليص من حجم الظاهرة، على غرار إصلاح العيوب الأمنية بالمدارس وتخصيص فضاءات خاصة للتلاميذ للتبليغ عن حالات العنف والتدخل بالسرعة الممكنة.

وتعهد حاديني، بإعداد دليل تربوي كمرجع يعتمد عليه في التعامل مع مثل هذه الظواهر المشينة، فيما دعا المغراوي، إلى مساعدة التلاميذ على تحقيق التوازن النفسي لمواجهة المشكلات الاجتماعية التي تعترضهم وتتطلب تكثيف جهود الجميع لمحاصرتها عوض الاقتصار على العقاب بالتوقيف مددا أو العزل.


المساهمون