العلاقات السعودية الأميركية: واقعية جديدة

العلاقات السعودية الأميركية: واقعية جديدة

21 مارس 2014
واشنطن والرياض ليستا بحاجة لإعادة بناء تحالفهما (GETTY)
+ الخط -

يقلق"سوء تأويل المواقف" و"الالتباسات" المتبادلة بين واشنطن والرياض مسؤولين وباحثين في البلدين الحليفين. ويبدو أن "الانعطافة" في السياسة الاميركية تجاه إيران، التي انتقلت، على نحو مفاجئ، من المجابهة الى الحوار، أثارت قلقاً لدى المسؤولين السعوديين، الذين استثمروا كثيراً من الجهد والمال في سياسة "المجابهة" ضد إيران لكبح جماح تمددها، الذي وصل الى مياه المتوسط. وقد ظهر التوافق، الاميركي السعودي، على هذا الصعيد، في أوضح صوره، في أثناء "حرب تموز" عام 2006 بين اسرائيل وحزب الله.

وقد بدت الهوة في العلاقات الاميركية السعودية، في نظر مراقبين، مرشحة لمزيد من الاتساع، خصوصاً، مع رواج الحديث عن صفقة أسلحة باكستانية نوعية، للمعارضة السورية المسلحة، أبرمها ولي العهد السعودي، الأمير سلمان، في رحلته الآسيوية أخيراً، حيث فُسِّرت، هذه الخطوة، باعتبارها تباعداً في المواقف بين الاميركيين والسعوديين إزاء "الملف" السوري، ومحاولة سعودية، منفردة، لتعديل موقف المعارضة السورية على الأرض.

بيد أن الوضع الميداني السوري، لم يظهر أي تغير ملموس في تسليح المعارضة التي، بالعكس، خسرت معركة "يبرود" الاستراتيجية، الأمر الذي سيسهم في إحكام سيطرة النظام السوري، وحليفه حزب الله، على الحدود اللبنانية السورية، والأهم تأمين الترابط بين دمشق والساحل. التطورات السياسية المتلاحقة في العالم العربي ومحيطه الاقليمي دفعت بـ"توتر" العلاقات السعودية الاميركية الى الوراء، إذ سرعان ما توقفت الأقلام المحسوبة على السعودية عن الخوض فيها، وانتقلت الى جبهة جديدة فتحتها الرياض، مع نواة حلف خليجي يضم الامارات والبحرين، ضد قطر، على خلفية المعركة السعودية – الاماراتية ضد حركة "الاخوان المسلمون".

وإذا كان التركيز السعودي انتقل الى "جبهة" جديدة، فهذا لا يعني أن "التوتر" قد زال نهائياً بين واشنطن والرياض، ولا يعني أن "سوء تأويل المواقف" قد تبدد تماماً، على ما يفهم من دراسة للباحث الاميركي المعروف، انطوني كوردسمان، صدرت عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن" (CSIS) الذي يعتبر من أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، ويقدم مشورة سياسية واستراتيجية للمؤسسة الامريكية.

يرى، كوردسمان، أن واشنطن والرياض ليستا في حاجة الى إعادة بناء تحالفهما، بقدر ما هما محتاجتان الى وضع هذا التحالف على أرضية الواقع الجديد، الذي أفرزته الثورات والانتفاضات العربية في ما يعرف بـ"الربيع العربي". وتنصح الدراسة البلدين، أن يعترفا بهذه التغيرات، وأن يطورا مستوى جديداً من التعامل معها، فبين الاميركيين والسعوديين، حسب كوردسمان، كثير من القضايا المشتركة، ولكنهما يمكن أن يختلفا على صعيد القيم والأولويات، وهذا يتطلب من قادة البلدين، كما يقول الباحث، التصدي لهذه "الاختلافات" وجهاً لوجه، بدل طرحها على الملأ، وبناء "شراكة فاعلة على أساس الوقائع الجديدة التي عرفها الشرق الأوسط".

يجمل كوردسمان، الذي يعتبر من الباحثين الاستراتجيين المعتدلين في امريكا، عدداً من النقاط، التي تشكل محط اهتمام مشترك على رأسها النفط، ومحاربة الارهاب، وقضية فلسطين التي يطالب، كوردسمان، السعودية بإبقاء "مبادرة السلام العربية" على الطاولة، حتى في حال عدم توصل المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية الى "نهاية سعيدة" فيما على واشنطن، في المقابل، أن تبقي دعمها الاقتصادي للسلطة الفلسطينية. وإذ لا تتوقف الدراسة طويلاً أمام "الموضوع الفلسطيني" فإنها تعطي حيزاً ملحوظاً لما يمكن أن يفعله الطرفان في "الملف" السوري، والعلاقة مع إيران و"الجرح المصري المفتوح"، وشروخ مجلس التعاون الخليجي.

يرى كوردسمان، أن نظام الأسد "ينتصر" على الأرض، فهو يسيطر على الغرب والمناطق الحضرية في الوسط، فيما تسيطر المعارضة المسلحة على المناطق الفقيرة، أو التي ليس فيها كثافة سكانية عالية. ويتنبأ بأن نظام الأسد سيبقى في الحكم بضع سنوات قادمة، وأن سوريا ستكون، في هذه الحالة، مشكلة استراتيجية كبرى في المنطقة، لذلك فإن من الوجاهة بمكان أن يفسح في المجال للسعودية بتسليح القوى المعتدلة في المعارضة من خلال وزير الداخلية السعودي الامير، محمد بن نايف، الذي كما يقول الباحث الامريكي، لديه صلات جيدة معها، وقد حوّل أموالاً وأسلحة لها من قبل. لكن في الوقت نفسه يدعو واشنطن والرياض الى التخطيط لاحتمال بقاء نظام، بشار الأسد، أو انزلاق سوريا نحو التقسيم.
وفي خصوص الموضوع الإيراني، الذي قد يكون القشّة التي أظهرت الخلافات بين البلدين، يرى الباحث الاستراتيجي الأمريكي أن على واشنطن والرياض أن يبلورا مقاربة مشتركة قوامها التالي: تقديم ايضاح لإيران، لا التباس فيه، أنها لن تواجه تهديداً خارجياً إذا ما تخلت عن مساعيها لصنع سلاح نووي، وأن حالة من الهدوء والاستقرار ستسود المنطقة إذا تعاونت طهران مع واشنطن والرياض، ومجلس التعاون الخليجي. ولكن في المقابل على الامريكيين أن يؤكدوا لحلفائهم السعوديين أن المفاوضات مع ايران ينبغي أن تنتهي بإنهاء أي نشاط نووي غير سلمي، وسيتعين على أمريكا أن تظهر، بنشاط، أنها موجودة أمنيا في المنطقة ما دام التهديد الايراني قائماً.
وبناء على هذه النقطة الأخيرة يرى كاتب الدراسة أن هناك ضرورة أن يتعاون الامريكيون والسعوديون لمعالجة التخلخل في مجلس التعاون الخليجي، الذي أدى الى شقاق مع قطر، وتوتر مع عُمان، وفشل في تطوير خطط فاعلة لردع "الارهاب" واحتوائه. 

وفي الوضع المصري، الذي يصفه، كوردسمان، بـ"الجرح المفتوح" بين الرياض وواشنطن، لا يلمس قارئ الدراسة ميلاً الى تأييد الواقع الحالي، لكن، كوردسمان، يشدد على أن موقف واشنطن تجاه مصر "فهم خطأ"، فـأمريكا، والكلام للكاتب، "لم تطلق شرارة إطاحة، مبارك، ولكنها ساندت الديمقراطية"، بيد أن ذلك لا يعني أنها، "جاءت بالاخوان المسلمين الى الحكم". ولكن بما أنهم وصلوا فقد بذلت السفارة الاميركية في القاهرة، حسب قوله، "جهوداً متكررة لدفع، مرسي، الى الاعتدال، وجعل حكومته أكثر واقعية وتمثيلا".

وبصرف النظر عمّا حصل في الماضي فإن "واشنطن والرياض يواجهان اليوم، مصر مختلفة تماماً، حيث راح الجيش، الذي استولى على السلطة من مرسي، يصبح أكثر قمعاً، وحيث يمكن أن يأتي المشير، عبد الفتاح السيسي، الى السلطة بوصفه المرشح الوحيد للرئاسة"،
(كتبت الدراسة قبل أن يقرر السيسي رسمياً الترشح لرئاسة الجمهورية).
وهناك خطر متصاعد أن يفقد الحكم المصري الدعم الشعبي المستقر، والقدرة على مجابهة الحاجة الحقيقية الى تطوير آليات الحكم والقيام بالتنمية الاقتصادية".

ويتوقع كاتب الدراسة "أن مصر ستحتاج الى بضع سنوات لإيجاد توازن جديد بين الحكم العسكري، وبين نظام أكثر انفتاحاً وقدرة على إحداث استقرار سياسي، فالقمع السياسي من المحتمل أن يؤدي الى تزايد العنف الداخلي، الذي يمكن أن يمتد الى المنطقة".

ويختم الباحث الاميركي في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن بما يخص مصر بالقول:  الحل الأفضل لفعل ذلك (أي ما جاء في الفقرة السابقة) ليس إعطاء الحكم العسكري مساعدات مالية غير مشروطة، ولا عزل مصر لاجبارها على التغير"، هذا الأمر الأخير يراه فعلاً خطيراً.

 

 

المساهمون