العدو في السينما: رفاهية النظر في الأخلاق

العدو في السينما: رفاهية النظر في الأخلاق

03 سبتمبر 2018
يظهر اللورد فولدمورت في "هاري بوتر" من دون أنف(IMDB)
+ الخط -
نلاحظ أثناء مشاهدتنا للأفلام والمسلسلات أن هناك غياباً لتصوير العدو كإنسان، أو تشويهاً لصورة العدو، ولوجهه. نلاحظ، أيضاً، في أثناء مشاهدتنا لسلسلة "هاري بوتر" أنه لا يوجد لـ فولدمورت أنف. أو حتى في "قراصنة الكاريبي"، كانت شخصية ديفي جونز بعيدة كل البعد عن صورة الإنسان العادي، وكان أيضًا من دون أنف. لماذا دائمًا ما يتم تصوير العدو على أنه أقل من شخصية البطل أو أنه في درجة أقل من الإنسان؟ لماذا دائمًا ما تخضع شخصيات "الخصم" لعملية نزع الملامح البشرية منها أو نزع كل ما يدل على الإنسان Dehumanization؟ 

في عام 1947، نشر الجندي السابق ومؤرخ الحرب العالمية الثانية صامويل ليمان آتوود مارشال كتابًا بعنوان "رجال في مواجهة النار" Men Against Fire: The Problem of Battle Command، وتقوم حجة الكتابة الأساسية على أن جندياً واحداً فقط من كل أربعة جنود أميركيين أطلقوا النار في المواجهات بنية القتل رغم التدريب الذي تلقوه. وكان مارشال يدعو الجيش في الكتاب إلى زيادة فعاليته وإلى استثمار مواردهِ في تدريب سلاح المشاة حتى يطلقوا النار بنية القتل.

وفي كتابه "حيونة الإنسان"، يناقش ممدوح عدوان فكرة القتل الجماعي، وكيف تصبح الفكرة "مقبولة" بالنسبة للجندي المنفذ، حيث يتم تغييب صورة الضحية وملامحه تغييبًا كاملًا، ويكون الجندي في مواجهة أعداد فقط، وليس في مواجهة بشر. ولربما نتساءل: كيف يقوى جنديٌ ما في طائرة F16 على قتل مئات الأشخاص من دون أن يتأثر؟ أو من دون أن يراجع نفسه وقتها؟

Black Mirror
مسلسل Black Mirror هو ديستوبيا ودراما وخيال علمي بريطاني يدرس المجتمع الحديث ولا سيما في ما يتعلق بالعواقب غير المتوقعة للتكنولوجيا الحديثة. كل حلقة تروي قصة منفصلة، عادة ما تُصَوَّر القصص في حاضر بديل أو في مستقبل قريب، وغالبًا بنبرة مظلمة وساخرة.

في الحلقة الخامسة من الموسم الثالث (2016)، توجد حلقة بنفس عنوان كتاب صامويل مارشال، وتكون الحلقة مثل سابقاتها في المستقبل القريب، ويكون فيها البشر قد وافقوا طواعية على التطور من كونهم مجرد "بشر"، عن طريق عمليات زرع واستبدال للأعضاء والأجزاء البشرية بآلات وتقنيات تكنولوجية حديثة.

في بداية الحلقة، يُصُّور لنا أن هناك فايروس يصيب البشر ويحوّلهم إلى كائنات زومبي تسمى "الصراصير"، وأن هذه الكائنات تعد خطرًا على الجنس البشري، لذا يقتضي قتلهم دون أي شفقة، ونرى في الحلقة أن قوات الجيش قد ذهبت لمداهمة أحد البيوت التي يُشاع بأن مالكها يؤوي هذه الكائنات لديهِ، ويصوّب الجندي "سترايب" مباشرة ليقتل، وهو الذي كان في أول مهمة لهِ دون أن يتردد، لأنه عندما رأى الكائنات، كانت تشبه الوحوش.

وبعدما يقتل سترايب "الصراصير" يحمل عصًا صغيرة تشع ضوءًا أخضر، وكان يلوح بها أحد الصراصير في وجههِ، فيسمع وقتها صراخا حادًا جدًا للحظات، ثم يتوقف فيتجاهله. ولكن هذا الصراخ الحاد، كان يأتي ويذهب بين الفترة والأخرى، ويسبب له الصداع، ما يستدعيه ليذهب إلى القسم الطبي، فيمر في جميع الفحوصات دون أن يظهر أن هناك أي خلل سواء بهِ أو في الجهاز المزروع في رأسهِ.



ولكن عندما ذهب سترايب مع فرقتهِ في مداهمة أخرى، كان هناك خلل ما. لم يعد سترايب يرى أي صراصير، وإنما صار يرى بشرًا، وفي نفس الوقت، كان هناك ما يثير الريبة، وهو أن أصدقاءه وزملاءه في الفرقة كانوا يطلقون النار عليهم. فحاول أن يمنعهم، ولكن محاولاته باءت بالفشل أولًا، ولكنه استطاع أن يحمي بعض "البشر/الصراصير".

في أثناء سير الحلقة وبعد أن ينقذ سترايب بعض البشر، يكتشف أن "الصراصير" ليسوا إلا بشرًا، ولكن الجهاز المزروع في رأسهِ وفي رؤوس أصدقائهِ يجعلهم يرونهم على أنهم كائنات زومبي غير آدمية، وهذا حتى يُسهل عملية قتلهم. ويكتشف أيضًا أن العصا التي حملها والتي كانت تشع ضوءًا أخضر، كانت جهازًا يتداخل مع برمجة الجهاز المزروع في رأسه ويجعله يرى "الصراصير" بصورتهم البشرية الحقيقية لا على أنهم كائنات متوحشة.
بعد أن يلقي الجيش القبض على سترايب، يأتيه الدكتور النفسي ويخبره الجملة الآتية: "التعاطف صفة تدل على الإنسانية، وهي أمر جيد، إلى أن يصبح مستقبلك قائم على محو عدوك".




Ender’s Game
يروي الفيلم قصة طفل (إندر) له موهبة استثنائية يرسل إلى مدرسة عسكرية متقدمة في الفضاء للاستعداد لغزو مستقبلي للكائنات الفضائية، وفي أثناء سير الفيلم يكون على "الطفل" أن يقود فريقه في محاكاة حاسوبية للقضاء على أحد أنواع الكائنات الفضائية بشكل كامل، وهو ما يكون هذا الطفل ضده (ضد عملية محو نوع كامل)، ولكن في نهاية الفيلم وفيما كان يظنه الطفل محاكاة، ينجح هو وفريقه في الحرب ضد ذلك النوع (والذي هاجم الأرض قبلًا)، وينجحون أيضًا في محو كل تلك الكائنات عن بكرة أبيها، ليتضح له لاحقًا أنه لم يكن في محاكاة وإنما في حرب حقيقية، ولكن أخبروا الأطفال أنها محاكاة حتى لا يترددوا ولا يتراجعوا عن العملية.

يتضح لنا إذَا من العنوان أن الحرب غدت "لعبة" في مواجهة الأعداء"، ولم يعد على الجنود رؤية أعدائهم في خضم عملية القتل، وهو ما يُسهل القتل ويجعلها أكثر فعالية، وهو ما يعارضه إندر، ويعتبره مخالفا للأخلاقيات، وهو ما يدفع الكولونيل غراف ليقول له: "عندما تنتهي الحرب، ستكون لدينا الرفاهية للنظر في أخلاقية أفعالنا" مُبررًا أنه وفي ظل الحروب، كل شيء متاح، فالمهم هو البقاء.



دلالات

المساهمون