الضياع المنهجي في النموذج السوري

23 مايو 2014
+ الخط -

ثمة ضياعٌ أكثر براعة، يلفنا بمهارة وإتقان، عندما نستند في أحكامنا وتحليلاتنا إلى ما تقدمه لنا وسائل الإعلام والصحف، التي تغمرنا بكمٍ هائل من الأخبار والمعلومات والحوادث اليومية، والمتعاقبة بسرعة كبيرة، تفوق قدرتنا على التحليل والتركيب، وربط النتائج بالمقدمات والأسباب، ما يُفقدنا، في الغالب، ويُشوش حسَّنا النقدي، بالإضافة إلى الكم الهائل من الاحصائيات والمعلومات الرقمية التي تدعي أنَّها تضبطُ، وبشكلٍ رياضيٍّ، واقعنا، لكنها، في الوقت نفسه، تضغط، وبقوة، على قدرتنا على التأويل والاستنتاج، والتمييز بين بصرنا وبصيرتنا، وبالأحرى، تجعلنا من دون أنْ ندري مجرد آلاتٍ متحركة.
ولأنَّها تُغرقنا بالتفاصيل والجزئيات، فإنَّنا، غالباً، ما نفقد قدرتنا على رؤية هذه التفاصيل ضمن كلٍّ موحد ومترابط، ما يدفعنا دفعاً إلى تناسي قانون "الآواني المستطرقة"، حيث كل خللٍ في جزءٍ منها يُؤثرُ لا محالة في باقي الأجزاء، ولو كانت متباعدةً من ناحية الزمان أو المكان. وكأنَّها بذلك تُجبرنا على التقهقر، والنكوص إلى مرحلة كنَّا قد اعتقدنا أنَّنا تجاوزناها، وهي مرحلة المدرسة والتفكير المدرسي، حين تعلمنا، على سبيل المثال، أنَّ الكائن البشري يتكون من جهازٍ عضلي وجهازٍ عصبي وآخر نفسي و....إلخ.
ولإنَّهُ لا غنى لنا عنها، تشيرُ كل التقارير إلى وجود القاعدة وانتشارها، بشقيها جبهة النصرة وداعش، في الشمال والشمال الشرقي من سورية، وتمكنها من السيطرة على عدة مناطق هناك. وفي الوقت عينه، تُشيرُ تلك التقارير إلى خلو مناطق الجنوب السوري من تلك التنظيمات "الإرهابية". فأين هي الإرداة الدولية، ودور دول الجوار من ذلك كله؟ وما الرابط بين تطبيق المجتمع الدولي القانون، الذي تنص عليه شرعة الأمم المتحدة، والتي يُجيزُ التدخلَ لحماية المدنيين في ظروف محددة، كما حدث في ليبيا، ونجاح الليبراليين في الانتخابات الأولى، على عكس المخاوف والمزاعم التي تم سوقها، في الماضي القريب، من سيطرة المتشددين في حال سقوط نظام معمر القذافي؟ هذه المزاعم نفسها التي يختبئ خلفها الغرب "حليف الشعب السوري" منذ ثلاث سنين، ليبرر بها تعطيله القانون الدولي، ومنع الدعم عن المعارضة المسلحة.


 

avata
avata
نارت عبد الكريم (سورية)
نارت عبد الكريم (سورية)