الحالة السورية والوجه الثاني للخرافة

30 يونيو 2014
+ الخط -


لها وجهٌ آخر غير الذي نعرفه، وهي وإن بدت صعبة التصديق، إلا أنها جد واقعية، ومن شدة واقعيَّتها ما عدنا ندركها، أو نحيط بمفاعيلها، تلك هي أسطورة "العشير البدائي" التي تقول: إنَّ أبناءً اتفقوا، يوماً ما، على قتل أبيهم، بعد ما لاقوه من عنتٍ وصلفٍ واستحواذ، ونفذوا ما اتفقوا عليه لاقتسام ميراثه. ولكنَّ للأسطورة وجهاً آخر، هو إصرارُ الأب على قتل أبنائه.

من الذي يصرّ، في حالتنا السورية، على وأد الثورة وإجهاضها، أهو النظام فقط أم المعارضة كذلك، فنظام الطبيعة وقوانينها تتحكم حتى بقطرات المطر التي لا تختار دروبها، بل تتبع دروباً وأخاديد معدَّةٍ سلفاً، هي السواقي ومجاري الوديان. كذلك الأساطير، فهي الدروب القديمة التي يجري فيها بنو البشر، رغماً عنهم، إلى مآلاتهم الحتمية، ومنها أسطورة العشير البدائي، حيث يولد الأبناء وهم محملون برغبة قتل الأب وتجاوزه، وإن كان نقل هذه الأسطورة من حيز النظرية إلى حيز التطبيق، بشكلها الصريح، نادرٌ جداً في هذه الأيام، إلا أنَّ المسافة بين الخيال والواقع لا تعني، بالضرورة، إبطالها.

بشأن الوجه الآخر من "الخرافة"، هو حتميٌّ أيضاً، لكنه أكثر واقعيَّة بما لا يُقاس، فقوانين الطبيعة سابقةٌ لوجودنا، والمستَبّد هو ذلك التجسيد العمليّ لتلك الأسطورة التي تقول إنَّ الأب حامل الرغبة بقتل أبنائه، والاستحواذ على كل النساء بلا منازع، أليس الوطن هو ذلك الحضن الدافئ الذي نحلمُ به ونتغنى، الوطن الذي يرمز إلى المرأة والأم. ألم يلجأ "الأب" معمر القذافي، بعيد إعلان أبنائه التّمرد على حكمه في ليبيا، إلى تسميم مياه الشرب، في المدن الثائرة، بمواد معقمة تؤدي إلى خصاء وعقم منافسيه من الرجال؟ وما الذي فعله صدام حسين طيلة عقود حكمه العراق؟ وإلام يشير ما نشهده في سورية من قتل وتعذيب وتشريد على يد نظام الأسد وزبانيته؟ ولكن، ما علاقة ذلك كله بالعادة المسماة "ختان الذكور" التي ما زالت سائدةً في مجتمعاتنا الشَّرقيَّة منذ آلاف السنين؟

avata
avata
نارت عبد الكريم (سورية)
نارت عبد الكريم (سورية)