31 يوليو 2014
الكتابة بطريقة الوجبات الجاهزة

نارت عبد الكريم (سورية)
بين الأَرِيكة والمَقْعَد، ثَمَّةَ عالمٌ واسعٌ وعميق، بلا حدود تماماً، ولكنْ، من الذي يُديرُ الحوارَ بينهما، إذَا جَازَ لنا التَّعْبِير اختزالاً، فهناك في هذه اللَّوْحَة جهازان، لكلِّ منهما تَعْقِيداته ومَرَامِيه، وكذلك ما يُخفيه، وبينهما ما هو مشترك وما هو مختلف، ووسائطُ الحِوار والتواصل مُتَعَدِّدَة: لغةُ الجسد، لغةُ العين، الكلام، ونَبْرَةُ الصَّوْت.
أمَّا في القِراءة، فليس لدينا إلاَّ الكلمات، وسيطٌ يَتِيمٌ، لإيصالِ ما نريدُ إيصاله وإخفاءه في الوقت نفسه. وأَمامَ النَّص، نحن في مُوَاجَهةِ محتوى ظاهر، وآخَرَ كامن، نَصُّ الرسالة وفحواها، فأيُّ وضوحٍ نَصِلُ إليهِ يبقى عاجِزاً عن تلافي ذلك الشِّقَاق. وكلَّمَا ابتَعَدنا أَكْثَرَ عن الإِبْلاَغ، أَجَّجْنا لَهيبَ التَأْويل والتساؤل والاستنْتَاج الذي تَتَعَدَّد صوره بِتَعَدَّدِ قُرَّائِهِ. فإنْ سلّمنا بوَاحِديَّهَ الظاهر نَعْجَزُ عن التَّسْلِيمِ بوَاحِديَّهَ المضمون، والتَّرَدُّدُ الذي يُصيبُنا حيالَ الانحياز لأَحَدِ المَضَامين على حسابِ آخَرَ، مَنْشَأُه يُؤخَذُ، أيضاً، بعين الاعتبار ولا يمكن إقصَاؤه، فيما يبقى من المستحيل الوصولُ إلى يقينٍ حِيال ذلك.
ولأمرٍ يَتَعلَقُ، عندها، بمعرفة أيِّ الأنظمةِ السِّيمْيائيةِ يُعينُنا على تَقَصِّي نَصِّنا، واستجلاءِ مَدْلولاتهِ، نَتَوقَفُ عند أسلوب الشَّطْب، على الرغم من أَعبائه، ومِقْدارِ الجهد الذي يَتَطَلَّبه، بدلاً من الاكتفاء بموثوقية الحَدْس الذي لا يمكن تلافي مَآخِذهِ، فالقراءةُ -التواصل عبر اللغة- تفتحُ عنوةً باب التَخييل على مصْراعَيه، ولا نملكُ عندها، وهذا هو المفترض، تَرَف الرقابة، أو الاختيارَ بين ما يُناسِبنا ويُرضي أَذواقَنا، أو يَصدِمنا. ولكن، وللأسف، على الرغم من كل ما تَقَدَّم وما قدَّمناه، فإنَّ ما حَصَدْناه بدا مُخالفاً للتوقعات، حيث تمَّ توحيدُ أذواقنا والسَّيْطَرةَ حتى على خيالنا، بدلاً من إيقاظِ القارئ على وَقْعِ النُّصوص، حيث غدتْ الكتابة التي لا تُثيرُ عُسْر الهَضْم مَطْلَبنا، فهل تحولتْ نُصوصنا إلى مُجَرَّد وجَباتٍ جاهزة؟